البحار بحيث منعت الهبوب إلا من جهة السطح الظاهر سكنت الفورة الشديدة بذلك التفرق وقلة التعمق وانقطاع الهبوب فكل ذلك من أسباب السكون الذي أشار إليه عليه السلام.
وأقول: مما يبين ذلك أنه إذا فرضنا حوضا يكون فرسخا في فرسخ وقدرنا بناء عمارة عظيمة في وسطه فلا ريب في أنه يقل بذلك أمواجه، وكلما وصل موج من جانب من الجوانب إليه يرتدع ويرجع. ثم إن هذه الوجوه إنما تبدى جريا على قواعد الطبيعيين وخيالاتهم الواهية، وإلا فبعد ما ذكره عليه السلام لا حاجة لنا إلى إبداء وجه، بل يمكن أن يكون لخلق الأرض وكبسها في الماء نوع آخر من التأثير في سكونه لا تحيط به عقولنا الضعيفة.
وقال ابن ميثم: مقتضى الكلام أن الله تعالى خلق الماء قبل الأرض وسكن بها مستفحل أمواجه، وهذا مما شهد به البرهان العقلي فإن الماء لما كان حاويا لأكثر الأرض كان سطحه الباطن المماس لسطحه الظاهر مكانا لها، وظاهر أن للمكان تقدما طبيعيا باعتبار ما على المتمكن فيه وإن كان اللفظ يعطي تقدم خلق الماء على خلق الأرض تقدما زمانيا كما هو المقبول عند السامعين (انتهى).
ولا يخفى بعد أمثال تلك التأويلات الباردة في تلك العبارات الظاهرة الدلالة على التقدم والحدوث الزمانيين كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
(وسكنت الأرض مدحوة) أي مبسوطة، ولا ينافي الكروية، وقيل: هو من الدحو بمعنى القذف والرمي، واللجة: معظم الماء كما مر، والتيار: الموج وقيل: أعظم الموج، ولجته: أعمقه، والنخوة: الافتخار والتعظم والأنفة و الحمية. والبأو: الرفعة والتعظم والكبر، والاعتلاء: التيه والترفع، وشمخ بأنفه أي تكبر. من شمخ الجبل إذا ارتفع، والسمو: العلو، وغلواء الشباب:
أوله وشرته، والغرض بيان سكون الأرض في الماء المتلاطم ومنعها إياه عن تموجه وهيجانه، وكعمت البعير أي شددت فمه إذا هاج بالكعام. ككتاب وهو شئ يجعل في فيه، والكظة بالكسر: ما يعتري الممتلئ من الطعام، والجرية