على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره، وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن خمس وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور، ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمسة وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك! فمن أهل السماء أنت؟
أم من أهل الأرض؟ فقال: يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة، ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقاموا - النصارى - على أرجلهم فقال لهم عالمهم: جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني وأعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة، ولا قعدت لكم إن عشت سنة، فتفرقوا وأبى قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك الخبر إلى هشام.
فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس، لان الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين: محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين - بل هو الكذاب لعنه الله - فيما يظهران من الاسلام وردا علي ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفر دين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي