أن يكون ذا كبر وتيه وتعظم، خصوصا إذا أضيف إلى شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخرى، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في مصاص (1) الشرف ومعدنه، لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد ابن عمه صلوات الله عليه، وقد حصل له من الشرف غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، قد ذكرنا بعضها ومع ذلك فكان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير، وألينهم عريكة وأسمحهم خلقا، وأبعدهم عن الكبر، وأعرفهم بحق، وكانت حاله هذه حاله في كل زمانيه (2) زمان خلافته والزمان الذي قبله، ما غيرت سجيته الامرة، ولا أحالت خلقته الرئاسة، وكيف تحيل الرئاسة خلقه وما زال رئيسا؟ وكيف تغير الامرة سجيته وما برح أميرا، لم يستفد بالخلافة شرفا ولا اكتسب بها زينة، بل هو كما قال عبد الله بن أحمد بن حنبل - ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم - قال: تذاكروا عند أحمد خلافة أبي بكر وعلي عليه السلام وقالوا فأكثروا، فرفع رأسه إليهم وقال: قد أكثرتم إن عليا لم تزنه الخلافة ولكنه زانها، وهذا الكلام دال بفحواه ومفهومه على أن غيره ازداد (3) بالخلافة وتممت نقيصته، و أن عليا لم يكن فيه نقص يحتاج إلى أن يتمم بالخلافة، وكانت الخلافة ذات نقص في نفسها فتم نقصها بولايته إياها.
ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة وقتل الأنفس وإراقة الدماء أن يكونوا قليلي الصفح بعيدي العفو، لان أكبادهم واغرة (4) وقلوبهم ملتهبة والقوة الغضبية عندهم شديدة، وقد علمت حال أمير المؤمنين عليه السلام في كثرة إراقة الدم وما عنده من الحلم والصفح ومغالبة هوى النفس، وقد رأيت فعله يوم الجمل.
ومنها أنا ما رأينا شجاعا جوادا قط، كان عبد الله بن الزبير شجاعا وكان