أنطق إلا صادقا، ولقد عهد إلي بذلك كله، وبمهلك من يهلك ومنجا من ينجو، ومآل هذا الامر، وما أبقى شيئا يمر على رأسي إلا أفرغه في اذني وأفضى به إلي أيها الناس إني والله لا أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنه (1).
قال ابن أبي الحديد في قوله: " إني أخاف أن تكفروا في برسول الله صلى الله عليه وآله " أي أخاف عليكم الغلو في أمري وأن تفضلوني على رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قال: وقد ذكرنا فيما تقدم من إخباره عليه السلام عن الغيوب طرفا صالحا، ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم وهو يشير إلى القرامطة " ينتحلون لنا الحب والهوى، ويضمرون لنا البغض والقلى (2)، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا " وصح ما أخبره عليه السلام، لان القرامطة قتلت من آل أبي طالب عليه السلام خلقا كثيرة، وأسماؤهم مذكورة في كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، ومر أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي في جيشه بالغري وبالحائر فلم يعرج على واحد منهما ولا دخل ولا وقف، وفي هذه الخطبة قال وهو يشير إلى السارية (3) التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة " كأني بالحجر الأسود منصوبا ههنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسه، يمكث ههنا برهة ثم ههنا برهة - وأشار إلى البحرين - ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه " ووقع الامر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به عليه السلام.
وقد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم، فوجدتها تشتمل على ما يجوز أن ينسب إليه وما لا يجوز أن ينسب إليه، ووجدت في كثير منها اختلالا ظاهرا، وهذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة، بل من كلام له وجدته متفرقا في كتب مختلفة.