ففرحوا واستبشروا، وسمعها العباس فبكى، فقال صلى الله عليه وآله: " ما يبكيك يا عم " فقال:
أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله، فقال: " إنه لكما تقول " فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا، قال: وهذه السورة تسمى سورة التوديع، وقال ابن عباس: لما نزلت " إذا جاء نصر الله " قال صلى الله عليه وآله: نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة، واختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل: لان التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لا حق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل، وعند الكمال يرقب الزوال، كما قيل:
إذا تم أمردنا (1) نقصه * توقع زوالا إذا قيل: تم وقيل: لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد، واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار، وعن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت السورة كان النبي صلى الله عليه وآله يقول كثيرا، " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم ".
وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجئ ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فسألناه عن ذلك فقال: إني أمرت بها، ثم قرأ: " إذا جاء نصر الله والفتح ".
وفي رواية عائشة أنه كان يقول، " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ".
ثم قال رحمه الله: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله دخل فيه، فدخلت خزاعة في عهد (2) رسول الله صلى الله عليه وآله، ودخلت بنو بكر في عهد (3) قريش، وكان بين القبيلتين شر قديم، ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا، وكان ممن أعان