كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك، ثم خرج فدخل على فاطمة فقال: يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش، وتزيدين في المدة، فتكونين أكرم سيدة في الناس فقالت: جواري جوار رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟
قالت: والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس، وما يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله أحد (1) فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، فقال: أنت شيخ قريش، فقم على باب المسجد وأجر بين قريش، ثم الحق بأرضك، قال: وترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظن ذلك، ولكن لا أجدلك غير ذلك، فقال أبو سفيان في المسجد فقال: يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش، ثم ركب بعيره فانطلق، فلما أن قدم على قريش قالوا: ما وراك؟ فأخبرهم بالقصة، فقالوا:
والله إن زاد ابن أبي طالب على أن لعب (2) بك فما يغني عنا ما قلت، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك، قال: فأمر رسول الله بالجهاز لحرب مكة، وأمر الناس بالتهيؤ وقال: " اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها " وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر من السماء، فبعث عليا عليه السلام والزبير حتى أخذا كتابه من المرأة، وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة.
ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله أبادهم (3) الغفاري، وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين، ونحو من أربع مائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وآله بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فلم يأذن لهما، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال: لا حاجة لي فيهما، أما ابن عمي فهو (4) الذي هتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال، قال فلما خرج (5) الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان