فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه [فأنقاهما]، ثم تمضمض بماء (1) ومجه على عوسجة (2) كانت إلى جنب خيمة خالية ثلاث مرات، واستنشق ثلاث مرات، ثم غسل وجهه وذراعيه (ثم مسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما، وذلك قبل أن تنزل المائدة، قالت: والله ما عاينت أحدا فعل ذلك قبله) (3)، ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام وصلى ركعتين - فعجبت أنا وفتيات الحي من العرب من ذلك، وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأيت مصليا قبله - ثم ارتحل.
فلما كان في غد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عالية رأيتها، وقد أخضر شوكها وساخت عروقها، وكثرت أفنانها واخضر ورقها، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد، فوالله ما أكل منها جائع إلا شبع، [ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برأ، ولا ذو حاجة وفاقة إلا استغنى] (4)، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة ولا ناقة إلا در لبنها، فرأينا البركة والنمو [في أموالنا] منذ يوم نزل بنا رسول الله، وأخصبت بلادنا وأمرعت (5).
فكنا نسمي تلك الشجرة: " المباركة "، وكان يأتينا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها، ويتزودون من ورقها في الأسفار، ويحملون معهم في الأرض القفار، فيقوم لهم مقام الطعام والشرب.
فلم نزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها واصفر ورقها، فأحزننا ذلك وفزعنا له (6)، فما كان إلا قليل حتى جاءنا نعي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،