وتلقيت من عصاك بالحلم، وأمهلت من قصد نفسه بالظلم، تستنظرهم (١) بأناتك إلى الإنابة، وتترك معاجلتهم إلى التوبة، لكيلا يهلك عليك هالكهم، ولا يشقى بنعمتك (٢) شقيهم إلا عن طول الاعذار إليه، وبعد ترادف الحجة عليه، كرما من فعلك (٣) يا كريم وعائده (٤) من عطفك يا حليم.
أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك، وسميته التوبة، وجعلت على ذلك الباب دليلا من وحيك (٥) لئلا يضلوا عنه، فقلت: ﴿توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ (٦)، فما عذر من أغفل دخول ذلك الباب يا سيدي بعد فتحه، وإقامة الدليل عليه (٧).
وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتك (٨)، وفوزهم بزيادتك.
فقلت: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) (٩).
ثم قلت: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ﴿١٠)﴾ (11) وما أنزلت من نظائرهن في القرآن.
وأنت الذي دللتهم بقولك الذي من غيبك، وترغيبك الذي فيه من حظهم على ما لو سترته عنهم، لم تدركه أبصارهم، ولم تعه أسماعهم، ولم تلحقه أوهامهم.