لهم من صحبة الديار والمنازل، وأنفع من الأهل وأرفع من الأعيان والأمثال، اقتضت دواعي لسان الحال أن يودع عند الفراق والانفصال.
ذكر ما نورده من طبقات أهل الوداع لشهر الصيام فنقول:
اعلم أن الوداع لشهر رمضان يحتاج إلى زيادة بيان، والناس فيه على طبقات:
طبقة منهم: كانوا في شهر رمضان على مراد الله جل جلاله وآدابه فيه في السر والاعلان، فهؤلاء يودعون شهر الصيام وداع من صاحبه بالصفاء والوفاء وحفظ الذمام، كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين عليه أفضل السلام.
وطبقة منهم: صاحبوا شهر رمضان تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في بعض الأزمان، وتارة يفارقون شروطه بالغفلة أو بالعصيان، فهؤلاء إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الآداب والاصطحاب، فالمفارقون لا يودعون ولا هم مجتمعون، وإنما الوداع لمن كان مرافقا وموافقا في مقتضى العقول والألباب، وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم وفي حال حسن صحبته.
فلهم أن يودعوه على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته، وأن يستغفروا ويندموا على ما فرطوا فيه من إضاعة شروط الصحبة والوفاء، ويبالغوا عند والوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه بوقت من الأوقات بالجفاء.
وطبقة: ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام، لأنه كان يقطعهم عن عادتهم في التهوين، ومراقبة علام الغيوب، فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل بالقرب من دارهم، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله، ولا يلتفت إلى ما يتضمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم.
أقول: فلا تكن أيها الانسان ممن نزل به ضيف غني عنه، وما نزل به ضيف منذ سنة أشرف منه وقد حضره للانعام عليه، وحمل إليه معه تحف السعادات، وشرف العنايات، وما لا يبلغه وصف المقال من الآمال والاقبال، فأساء مجاورة هذا الضيف الكريم، وجفاه وهون به، وعامل معه معاملة المضيف اللئيم، فانصرف الكريم ذاما