لضيافته، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته، أو في عار تأسفه وندامته.
فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة، والرأفة والأمن من المخافة، أو كن لا له ولا عليه، فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الأدب عليه، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة، وتشهرها بالفضائح والنقصان، في ديوان الملوك والأعيان، الذين ظفروا بالأمان والرضوان.
أقول: واعلم أن وقت الوداع لشهر الصيام رويناه عن أحد الأئمة عليهم أفضل السلام من كتاب فيه مسائل جماعة من أعيان الأصحاب، وقد وقع عليه السلام بعد كل مسألة بالجواب، وهذا لفظ ما وجدناه:
(من وداع شهر رمضان، متى يكون، فقد اختلف أصحابنا فبعضهم قال: هو في آخر ليلة منه، وبعضهم قال: هو في آخر يوم منه، إذا رأي هلال شوال؟ الجواب: العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فان خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.) (1) قلت: هذا اللفظ ما رأيناه ورويناه، فأجتهد في وقت الوداع على إصلاح السريرة، فالانسان على نفسه بصيرة، وتخير لوقت وداع الفضل الذي كان في شهر رمضان أصلح أوقاتك في حسن صحبته، وجميل ضيافته ومعاملته، من آخر ليلة منه، كما رويناه، فان فاتك الوداع في آخر ليلة، ففي أواخر نهار المفارقة له والانفصال عنه.
فمتى وجدت في تلك الليلة أو ذلك اليوم نفسك على حال صالحة في صحبة شهر رمضان فودعه في ذلك الأوان، وداع أهل الصفا والوفاء، الذين يعرفون حق الضيف العظيم الاحسان، واقض من حق التأسف على مفارقته وبعده، بقدر ما فاتك من شرف ضيافته، وفوائد رفده، وأطلق من ذخائر دموع الوداع ما جرت به عوائد الأحبة إذا تفرقوا بعد الاجتماع.