فاعلم أن كل مسلم فإنه يعتقد ان الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء، من الخلود ودوام العافية وكمال النعماء، ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء، وهو ما ذكره من العافية والشفاء.
فصل (2) فيما نذكره من صوم الاخلاص وحال أهل الاختصاص من طريق الاعتبار اعلم أن أصل الأعمال والذي عليه مدار الأفعال، ينبغي أن يكون هو محل التنزيه عن الشوائب والنقصان، ولما كان صوم شهر رمضان مداره على معاملة العقول والقلوب لعلام الغيوب، وجب أن يكون اهتمام خاصته جل جلاله وخالصته بصيام العقل والقلب عن كلما يشغل عن الرب.
فان تعذر استمرار هذه المراقبة في سائر الأوقات لكثرة الشواغل والغفلات، فلا أقل أن يكون الانسان طالبا من الله جل جلاله ان يقويه على هذه الحال، ويبلغه صفات أهل الكمال، وأن يكون خائفا من التخلف عن درجات أهل السباق، مع علمه بامكان اللحاق.
فإنه قد عرف ان جماعة كانوا مثله من الرعية للسياسة العظيمة النبوية، بلغوا غايات من المقامات العاليات، وفيهم من كان غلاما، ما يخدم أولياء الله جل جلاه في الأبواب، وما كان جليسا ولا نديما لهم، ولا ملازما في جميع الأسباب، فما الذي يقتضي ان يرضي من جاء بعدهم بالدون وبصفقة المغبون، وأقل مراتب المراد منه ان يجري الله جل جلاله ورسوله صلوات الله عليه، مجرى صديق يحب القرب منه، ويستحيي منه، وهو حاذر من الاعراض عنه.
فإذا قال العبد: ما أقدر على هذا التوفيق، وهو يقدر عليه مع التصديق، فهو يعلم من نفسه انه ما كفاه الرضا بالنقصان والخسران، حتى صار يتلقى الله جل جلاله ورسوله وآله عليهم السلام، بالبهتان الكذب والعدوان.