التجارة المربحة، والمطالب المنجحة.
أقول: وقد يدخل في نيات أهل الصيام اخطار، بعضها يفسد حال الصيام، وبعضها ينقصه عن التمام، وبعضها يدنيه من باب القبول، وبعضها يكمل له شرف المأمول، وهم أصناف:
صنف منهم: الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب، ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به رب الأرباب، فهؤلاء معدودون من عبيد السوء، الذين اعرضوا عما سبق لمولاهم، من الانعام عليهم وعما حضر من احسانه إليهم، وكأنهم إنما يعبدون الثواب المطلوب وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب، وقد كان العقل قاضيا ان يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل، حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل.
وصنف: قصدوا بالصوم السلامة من العقاب، ولولا التهديد والوعيد بالنار وأهوال يوم الحساب ما صاموا، فهؤلاء من لئام العبيد، حيث لم ينقادوا بالكرامة، ولا رأوا مولاهم أهلا للخدمة، ليسلكون معه سبيل الاستقامة، ولو لم يعرفوا أهوال عذابه ما وقفوا على مقدس بابه، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذاتهم ليخلصوها من خطر عقوباتهم.
وصنف: صاموا خوفا من الكفارات وما يقتضيه الافطار من الغرامات، ولولا ذلك ما رأوا مولاهم أهلا للطاعات، ولا محلا للعبادات، فهؤلاء متعرضون لرد صومهم عليهم، ومفارقون في ذلك مراد الله ومراد المرسل إليهم.
وصنف: صاموا عادة لا عبادة، وهم كالمسافرين في صومهم عما يراد الصوم لأجله، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله، فحالهم كحال الساهي واللاهي، والمعرض عن القبول والتناهي.
وصنف: صاموا خوفا من أهل الاسلام، وجزعا من العار بترك الصيام، إما للشك أو الجحود، أو طلب الراحة في خدمة المعبود، فهؤلاء أموات المعنى أحياء الصورة، وكالصم الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة، وكالعميان الذين لا يرون ان نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة، وقد قاربوا أن يكونوا كالدواب، بل زادوا عليها، لأنها تعرف من يقوم بمصالحهم وبما يحتاج إليه من الأسباب.