قصدت بالنية الواحدة صوم الشهر كله، أو جددت كل يوم نية لصوم ذلك اليوم، ليكون أبلغ لك في الظفر بفضله، وان تهيأ أن تكون نيتك ان تصوم عن كل ما شغل عن الله، فذلك الصوم الذي تنافس المخلصون في مثله.
أقول: واعلم أن الداخلين في الصيام على عدة أصناف وأقسام:
فصنف: دخلوا في الصوم بمجرد ترك الأكل والشرب بالنهار وما يقتضي الافطار في ظاهر الاخبار، وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضائحهم، فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم أهل الاهمال.
وصنف: دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم عن سوء الآداب على مالك يوم الحساب، فكانوا في ذلك النهار مترددين بين الصوم بما حفظوه والافطار بما ضيعوه.
وصنف: دخلوا في الصوم بزيادة النوافل التي يعملونها بمقتضى العادات، وهي سقيمة لسقم النيات، فحال أعمالهم على قدر اهمالهم.
وصنف: دخلوا دار ضيافة الله جل جلاله في شهر الصيام، والقلوب غافلة، والهمم متكاسلة، والجوارح متثاقلة، فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرضها عليه، وهو كاره لحملها إليه، وفيها عيوب تمنع من قبولها والاقبال عليه.
وصنف: دخلوا في الصوم واصلحوا ما يتعلق بالجوارح، ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة عن العمل الصالح، فهم كعامل دخل على سلطانه، وقد أصلح رعيته بلسانه، واهمل ما يتعلق باصلاح شأنه، فهو مسؤول عن تقديم اصلاح الرعية على اصلاح ذاته، وكيف آخر مقدما وقدم مؤخرا، وخاطرا مع المطلع على ارادته.
وصنف: دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب على اقدام (2) المراقبة لعلام الغيوب، وحافظين ما استحفظهم إياه، فحالهم حال عبد تشرف برضا مولاه.
وصنف: ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح، عن الذنوب والعيوب والقبائح، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح، فهؤلاء أصحاب