الأمالي - الشيخ المفيد - الصفحة ٥٧
غير فرار (1)، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ". قال: فلما أصبحنا جثونا على الركب (2) فلم نره يدعو أحدا منا، ثم نادي أين علي بن أبي طالب؟
فجئ به وهو أرمد (3). فتفل في عينه، وأعطاه الراية ففتح الله على يد [ي] ه.
قلنا: فما الرابعة؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج غازيا إلى تبوك واستخلف عليا على الناس فحسدته قريش، وقالوا: إنما خلفه لكراهية صحبته قال: فانطلق في أثره حتى لحقه فأخذ بغرز ناقته (4)، ثم قال: إني لتابعك، قال: ما شأنك؟ فبكى وقال: إن قريشا تزعم أنك إنما خلفتني لبغضك لي وكراهيتك صحبتي (5). قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فنادى في الناس، ثم قال: أيها الناس أفيكم أحد إلا وله من أهله خاصة؟ قالوا:
أجل، قال: فإن علي بن أبي طالب خاصة أهلي وحبيبي إلى قلبي. ثم أقبل على أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (6)؟! فقال علي عليه السلام: رضيت عن الله ورسوله.
ثم قال سعد: هذه أربعة، وإن شئتما حدثتكما بخامسة. قلنا: قد شئنا ذلك. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، فلما عاد نزل

(١) الكرة: الرجعة والجمع كرات مثل مرة ومرات، أي يرجع إلى قتل الأعداء مرة بعد مرة ولا يفر من الزحف أبدا.
(٢) جثا يجثو: جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه.
(٣) الرمد: هيجان العين، كل ما يؤلمها، والرجل رمد وأرمد.
(٤) الغرز بالفتح: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب.
(٥) لا يقال: إن عليا عليه السلام هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، فكيف انزعج من القول الزور فيه، فربما فعل ذلك حتى ينص رسول الله صلى الله عليه وآله عليه نصا يفحم بذلك المقلقين ويكون ذلك له معتصما لإثبات خلافته عنه صلى الله عليه وآله فيما بعد.
(٦) لنا معاشر الإمامية في إثبات إمامته عليه السلام بذلك كلام أورده المحدثون والمتكلمون في كتبهم وأشبعوا القول فيه، ولولا خوف الملال وضيق المجال لنورده هناك وإن أردت الاطلاع فراجع: معاني الأخبار للصدوق (ره): ٧٤ والاقتصاد للطوسي (ره): ٢٢٢ وكنز الفوائد للكراجكي (ره): 274.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست