قس عجبا، قال: وما الذي رأيت؟ قال: بينما أنا يوما بجبل في ناحيتنا يقال له: سمعان، في يوم قائظ شديد الحر (1)، إذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين ماء، وإذا حوله سباع كثيرة (2)، وقد وردت حتى تشرب من الماء، وإذا زأر سبع منها على صاحبه، ضربه بيده، وقال (3): كف حتى يشرب الذي ورد قبلك، فلما رأيته وما حوله من السباع هالني ذلك، ودخلني رعب شديد، فقال لي: لا بأس عليك، لا تخف إن شاء الله، وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فلما آنست به قلت: ما هذان القبران؟ قال: قبر أخوين كانا لي يعبدان الله في هذا الموضع معي، فماتا، فدفنتهما في هذا الموضع، واتخذت فيما بينهما مسجدا (4) أعبد الله فيه حتى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما وفعالهما، فبكى، ثم قال:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما لا تقضيان كراكما (5) ألم تعلما أني بسمعان مفرد * وما لي بها ممن حببت سواكما أقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما (6)