وشواهد، ولتيسير الطريق فإننا نستعرض حياته بشكل سريع، بما فيها: نشأته، ورحلاته، وأساتذته، وتلامذته، وما قيل فيه، وآثاره، وجملة من آرائه ومقترحاته وابتكاراته وملامح مدرسته وخصائصها، ثم شهادته رضوان الله تعالى عليه، حينذاك سيتجلى ثبوت المدعى بكل وضوح وشموخ.
ولد قدس سره في جزين إحدى قرى جبل عامل من جنوب لبنان، سنة 734 ه، جبل عامل ذلك المكان الذي تخرج منه خمس علماء الشيعة، مع أنه لا يساوي عشر عشر بلاد الشيعة مساحة، فكانت حركة العلم ومجالس الفكر والمعرفة مزدهرة آنذاك فأطل الشهيد على الحياة الثقافية من أوسع منافذها، حتى جالس منذ نعومة أظفاره - وبدافع من والده العالم الفاضل الشيخ مكي جمال الدين - علماءها، وخالط فقهاءها، وارتاد ندواتها العلمية، وشارك في حلقات الدرس، التي كانت تعقد في المساجد والمدارس والبيوت، وكثير ما كان يساهم في المناقشات التي كانت تدور بين الأساتذة والطلاب أو الطلاب أنفسهم، فمنذ البدء تعود أن يبني لنفسه آراء مختصة به في مختلف مسائل الفقه والأدب وغيرهما، حتى أصبح - مع صغره - يشار له بالفضل والعلم ويتوقع له مستقبل زاهر ومشرق.
شد الرحال - وهو في أوائل ربيعه السابع عشر، أي في حدود سنة 761 - إلى حيث يمكنه تلقي العلوم والمعارف، فارتاد الحلة وكربلاء المشرفة وبغداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة والشام والقدس، وتركز استقراره في الحلة التي كانت آنذاك عامرة بأساطين الفقه وعلماء المعرفة، حتى أضحت قطبا حيويا ومدرسة رائدة من مدارس الفقه الشيعي، وفي ظل هذا الازدهار وتلك الحيوية روى الشهيد ضمأه من أصفى منابع العلم وأنقاها.
فتلمذ على ولد العلامة فخر المحققين (م 771) الذي كان من أجل مشايخه وأعظم أساتذته وأكثرهم دراسة عليه، فأولاه من العناية ما لم يولها لغيره، لما رأى فيه من النبوغ المبكر والمواصفات الفريدة، حتى قال فيه (استفدت منه أكثر مما استفاد مني).