ليلة ثلاث عشرة كوكب عند طلوع الفجر ويظهر نظيره، فكانت العرب إذا حدث عند ذلك مطر نسبه بعضهم إلى الغارب وبعضهم إلى الطالع نسبة إيجاد وتأثير كما يقول بعض الفلاسفة إن الله سبحانه لم يخلق إلا واحدا هو العقل الأول ثم كان عن هذا العقل غيره إلى أن ينتهى ذلك إلى الأمطار والعناصر والمعادن والنباتات والحوادث اليومية فنهى الشرع عن القول بذلك لأن ذلك إن كان عن اعتقاد فهو كفر وإن كان بمجرد قول كما إذا قال المؤمن بأن الفاعل هو الله تعالى أمطرنا السحاب أو أبرد الهواء طلوع الكوكب الفلاني أو نحو ذلك فهو شبيه بالكفر فنهى الشارع عنه أيضا حسما لمادة الكفر ومنعا لترويجه وخوفا لأن يعتقد أحد بظاهر هذا القول، والحاصل أن العلم لا يذم من حيث أنه علم وإنما الذم متوجه عليه لأحد أسباب ثلاثة، أحدها: أن يكون مؤديا إلى ضرر إما بصاحبه أو بغيره كما يذم علم السحر والطلسمات إذ به يتوسلون إلى ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
الثاني: غموض بعض العلوم ودقته فإن الخوض في علم لا يفهمه الخائض مذموم فيجب كف النفس عن الخوض فيه كعلم القدر لأنه سر من أسرار الله لا يعلمه إلا هو أو من أظهره الله عليه من خواصه، الثالث: أن يكون مؤديا إلى ضرر يعود إلى صاحبه غالبا كعلم النجوم فإنه في نفسه ليس بمذموم إذ هو قسمان: قسم يتعلق بالحساب والهيئة وقد نطق القرآن بأن مسير الكواكب محسوب إذ قال (والشمس والقمر بحسبان) وقال (والقمر قدرناه منازل - الآية) وقال (ولتعلموا عدد السنين والحساب) والقسم الثاني: الإحكام وحاصله يرجع إلى الاستدلال بالأسباب على الحوادث وقد نهى الشارع عنه لثلاثة أوجه: الأول: أنه مضر بأكثر الخلق فإنه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عقيب سير هذه الكواكب والأنظار وقع في نفوسهم أن هذه الكواكب هي المؤثرات والآلهة المدبرات لأنها جواهر شريفة سماوية فيعظم وقعها في القلوب فتلتفت إليها وترى الخير والشر من جهتها ويمحو ذكر الله عن القلب فإن الضعيف يقصر نظره على الوسائط كالأطفال فإنهم يظنون أن الرازق آباؤهم وأمهاتم، والعالم الراسخ هو الذي يعلم أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه. والثاني: أن أحكام النجوم تخمين محض ليس بعلم لا باليقين ولا بالظن فالحكم به حكم بجهل فيكون مذموما من حيث أنه جهل ووهم لا من حيث أنه علم وحق وقد قيل إنه كان من معجزة إدريس النبي (عليه السلام) وقد اندرس وانمحى ولا يعرفه إلا الخواص وما يتفق أحيانا من إصابة المنجم فهو اتفاق، والثالث: أنه لا فائدة فيه فإن كل ما قدر فهو كائن والاحتراز عنه غير ممكن فالخوض فيه خوض فيما لا يعني وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة وهو الخسران المبين والأنبياء لكونهم أطباء القلوب يحملون الضعفاء على ما يوجب ترقيهم إلى جوار الله والوصول إلى دار كرامته وما لم يصل إليه عقلك ولم تعرف وجه الحكمة فيه فأعزل عقلك عن الفكرة فيه والزم على نفسك