خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) * الأصل:
194 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان أو غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمعة: الحمد لله أهل الحمد ووليه ومنتهى الحمد ومحله، البديء البديع، الأجل الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء، والمتفرد بالآلاء، القاهر بعزه؟ والمسلط بقهره، الممتنع بقوته، المهيمن بقدرته، والمتعالي فوق كل شيء بجبروته، المحمود بامتنانه وبإحسانه، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده، الموسع برزقه، المسبغ بنعمه، نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه وكبريائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي في أوليته متقادما وفي ديموميته متسيطرا، خضع الخلائق لوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته ودانوا لدوام أبديته.
وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه وائتمنه على سره وارتضاه لخلقه وانتدبه لعظيم أمره ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله ومفتاح وحيه وسببا لباب رحمته ابتعثه على حين فترة من الرسل، وهدأة من العلم، واختلاف من الملل، وضلال عن الحق، وجهالة بالرب، وكفر بالبعث والوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا أو نذرا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ويكون بلاغا لقوم عابدين، فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين (صلى الله عليه وآله) وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله واوصى نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ بدأ الأمور بعلمه وإليه يصير غدا ميعادها وبيده فناؤها وفناؤكم وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم، فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم، فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها فان المغتر من اغتر بها، لن تعدا والدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل الرغبة فيها المحبين لها، المطمئنين إليها المفتونين بها، أن تكون كما قال الله عز وجل: (كماء أنزلناه من السماء فاختلط