فما سماه أهل العرف غناء حرم طرب أو لم يطرب، ولا يخلو من قوة لأن الشائع في مثله مما لا نعرف مغزاه لغة ولم يعرف مقصوده شرعا هو الرجوع إلى العرف.
وقال بعض العامة: قراءة القرآن بالتغني قراءته بالألحان، وهي قراءته بطريق أهل علم الموسيقى في الألحان، أي في النغم والأوزان حسبما رتبوه في صنعة الغناء، وسمع عارفها قاريا يقرأ فاستحسن قراءته، وقال أنه يقرأ من نغمة كذا، وقيل: هي قراءته بالتطريب والترجيع وتحسين الصوت، ثم قال: واختلفوا في قراءته بالألحان، فقال الشافعي مرة لا بأس به، ومرة مكروه، وقال بعض أهل مذهبه: مراده أنه إن أفرط في المد واشباع الحركة حتى تولد عن الفتحة ألف، وعن الضمة واو وعن الكسرة ياء أو ادغم في غير موضع الإدغام كره وإلا جاز، وقال بعض آخر منهم إذا انتهى إلى ذلك فهو حرام يفسق فاعله ويعزر ويأثم المستمع، وهو مراد الشافعي بالكراهة، وكيف يؤخذ في كلام الله تعالى بأخذ أهل الألحان في النشد والغزل. انتهى.
أقول: تفسير الغناء بما مر وإن لم يثبت من جهة الشرع لكن الاحتياط والتقوى يوجبان الاحتراز عنه عما دون ذلك، وإما قراءته بالترجيع فظاهر بعض الروايات الآتية تشعر برجحانها، حيث وقع الأمر به، وظاهر هذه الرواية يشعر بأنه أعم من الغناء، فلا يكون راجحا على الإطلاق، بل هو راجح في فرد وحرام في فرد آخر، فلابد للعامل به من التميز بين الفردين، وهو في غاية الإشكال، فالأولى بل الواجب على غير المميز تركه.
* الأصل:
4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن حسن بن شمون قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ذكرت الصوت عنده فقال: (إن علي بن الحسين 8 كان يقرأ فربما مر به المار فصعق من حسن صوته، وإن الإمام لو أظهر من ذلك لما احتمله الناس من حسنه). قلت: ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون).
* الشرح:
قوله: (إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يقرأ القرآن فربما مر به المار فصعق) أي غشي عليه أو صاح صيحة شديدا، وسر ذلك أن الأصوات الطيبة والأحان الموزونة والنغمات المناسبة لها مدخلا عظيما في نشاط النفس وفرح الروح، ولها تأثيرا عظيما، فمنها ما يفرح، ومنها ما يحزن، ومنها ما يندم، ومنها ما يضحك، ومنها ما يبكي، ومنها ما يصعق، ومنها ما يزعج القلب إلى الحق ويحركه من بلاد الغربة إلى الوطن الأصلي، ويختلف الإنزعاج بالنسبة إلى الأشخاص بحسب قوة