حالهم بمثال جزئي طلبا لزيادة الانكشاف.
(فقال: أما الذي أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن فمثله كمثل التمرة طعمها حلو ولا ريح لها) لعل المراد أنه لا ريح لها ريح فائق مشتهي، وإلا فللتمرة ريح في الجملة.
(وأما الذي اوتي القرآن ولم يؤت الإيمان فمثله كمثل الاس ريحها طيب وطعمها مر) الاس شجر معروف واحدتها آسة.
(وأما من اوتي القرآن والإيمان فمثله كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب) الأترج بضم الهمزة والراء بينهما تاء مثناء ساكنة وآخرها جيم ثقيلة، وقد تخفف ويزاد قبلها نون ساكنة ويقال بحذف الألف مع الوجهين.
(وأما الذي لم يؤت الإيمان ولا القرآن فمثله كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) مثل هذا الحديث موجود في كتب العامة روى مسلم بإسناده عن أنس عن أبي موسى الأشعري: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس فيها ريح وطعمها مر» قال صاحب كتاب إكمال الإكمال: وجه التشبيه في التمثيل بالأترجة مجموع الأمرين طيب الطعم وطيب الرائحة لا أحدهما على التفريق، كما في بيت امرئ القيس:
كان قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي ولما كان طيب الطعم وطيب الرائحة في النفس المؤمنة عقليان، وكانت الأمور العقلية لا تبرز عن موصوفها ألا بتصويرها بصورة المحسوس المشاهد شبه (عليه السلام) بالأترجة الموجود فيها ذلك حسا تقريبا للفهم والإدراك، فطيب الطعم في النفس المؤمنة الإيمان، لأنه ثابت في النفس هي به طيبة باطنا كثبوته في الأترجة، وطيب الرائحة فيها يرجع إلى قراءته القرآن لأن القراءة قد يتعدى نفعها بالغير فينتفع بها المستمع كما أن طيب رائحة الأترجة يتعدى وينتفع بها المستروح أي الشام، بقي أن يقال لم خص التمثيل بما يخرج من الشجر من الثمار، ثم خص الأترجة دون غيرها مع وجود الأمرين في غيرها كالتفاحة؟ فيقال: في الجواب عن الأول خص الثمار للشبه الذي بينها وبين الأعمال لأن الأعمال ثمار النفوس، ويقال: في الجواب عن الثاني أما لأن وجود الأمرين في الأترجة أظهر، وأما لبقائها وعدم سرعة تغيرها، وأما لأن الجن لا يقرب البيت الذي فيه الأترجة فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا يقر به الشياطين، وأما لأن غلاف حبها أبيض فناسب قلب المؤمن، وأما لأنها أفضل الثمار كما أن المؤمن أفضل الإنسان ووجه كونها أفضل الثمار أنها جامعة