أن الصديق هو الذي بعث أبا عبيدة وغيره من الامراء إلى الشام، وهو الذي كتب إلى خالد بن الوليد أن يقدم من العراق إلى الشام ليكون مددا لمن به وأميرا عليهم، ففتح الله تعالى عليه وعلى يديه جميع الشام على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقال محمد بن عائذ: قال الوليد بن مسلم: أخبرني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أن المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا أبا عبيدة بن الجراح وافدا إلى أبي بكر بشيرا بالفتح فقدم المدينة فوجد أبا بكر قد توفي واستخلف عمر بن الخطاب فأعظم أن يتأمر أحد من الصحابة عليه فولاه جماعة الناس فقدم عليهم فقالوا: مرحبا بمن بعثناه بريدا فقدم علينا أميرا.
وقد روى الليث وابن لهيعة وحياة بن شريح ومفضل بن فضالة وعمر بن الحارث وغير واحد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أنه بعثه أبو عبيدة بريدا بفتح دمشق قال: فقدمت على عمر يوم الجمعة فقال لي: منذ كم لم تنزع خفيك؟
فقلت من يوم الجمعة وهذا يوم الجمعة. فقال: أصبت السنة.
قال الليث: وبه نأخذ، يعني أن المسح على الخفين للمسافر لا يتأقت، بل له أن يمسح عليهما ما شاء، وإليه ذهب الشافعي في القديم. وقد روى أحمد وأبو داود عن أبي بن عمارة مرفوعا مثل هذا، والجمهور على ما رواه مسلم عن علي في تأقيت المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة. ومن الناس من فصل بين البريد ومن في معناه وغيره، فقال في الأول لا يتأقت، وفيما عداه يتأقت لحديث عقبة وحديث علي. والله أعلم.
فصل ثم إن أبا عبيدة بعث خالد بن الوليد إلى البقاع ففتحه بالسيف. وبعث سرية فالتقوا مع الروم بعين ميسنون، وعلى الروم رجل يقال له " سنان " تحدر على المسلمين من عقبة بيروت فقتل من المسلمين يومئذ جماعة من الشهداء فكانوا يسمون " عين ميسنون " عين الشهداء. واستخلف أبو عبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان (1) كما وعده بها الصديق. وبعث يزيد دحية بن خليفة إلى تدمر في سرية ليمهدوا أمرها. وبعث أبا الزهراء القشيري إلى البثينة (2) وحوران فصالح أهلها.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: افتتح خالد دمشق صلحا، وهكذا سائر مدن