نظر يظهر لمن له نظر، فتأمل: أي في التقييد بقوله: بحرفه لائقة الخ ووجهه أنهم جعلوا العبرة للعدالة لا للحرفة، فكم من دنئ صناعة أنقى من ذي منصب ووجاهة، على أن الغالب أنه لا يعدل عن حرفة أبيه إلى أدنى منها إلا لقلة ذات يده أو صعوبتها عليه، ولا سيما إذا علمه إياها أبوه أو وصيه في صغره ولم يتقن غيرها فتأمل. وفي حاشية أبي السعود: فيه نظر لأنه مخالف لما قدمه هو قريبا من أن صاحب الصناعة الدنيئة كالزبال والحائك مقبول الشهادة إذا كان عدلا في الصحيح اه.
قلت: ويدفع بأن مراده أن عدوله عن حرفة أبيه إلى أدنى منها دليل على عدم المروءة، وإن كانت حرفة أبيه دنيئة، فينبغي أن يقال هو كذلك إن علا بلا عذر. تأمل. قوله: (من أعمى) إلا في رواية زفر عن أبي حنيفة فيما يجزي فيه التسامع، لان الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه باقاني على الملتقى.
كذا في الهامش. قوله: (أي لا يقضي بها) خلافا لأبي يوسف فيما إذا تحمله بصيرا فإنها تقبل لحصول العلم بالمعاينة، والأداء يختص بالقول ولسانه غير موف والتعريف يحصل بالنسبة كما في الشهادة على الميت. ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها يحبس الشهود والنسبة لتمييز الغائب دون الحاضر وصار كالحدود والقصاص اه. باقاني على الملتقى. كذا في الهامش. قوله: (بالسماع) كالنسب والموت.
قوله: (خلافا للثاني) أي فيهما، واستظهر قوله بالأول صدر الشريعة فقال: وقوله أظهر، لكن رده في اليعقوبية بأن المفهوم من سائر الكتب عدم أظهريته. وأما قوله بالثاني فهو مروي عن الامام أيضا. قال في البحر: واختاره في الخلاصة، ورده للرملي بأنه ليس في الخلاصة ما يقتضي ترجيحه واختياره.
قوله: (بالأولى) لان في الأعمى إنما تتحقق التهمة في نسبته وهنا تتحقق في نسبته وغيرها من قدر المشهود به وأمور أخر. كذا في الفتح ونقل أيضا عن المبسوط أنه بإجماع الفقهاء لان لفظ الشهادة لا يتحقق منه. وتمامه فيه. قوله: (ولو مكاتبا) والعتق في المرض كالمكاتب في زمن السعاية عند أبي حنيفة، وعندهما حر مديون.
تنبيهات: مات عن عم وأمتين وعبدين فأعتقهما العم فشهدا ببنوة أحدهما بعينها: أي أنه أقربها في صحته لم تقبل عنده، لان في قبولها ابتداء بطلانها انتهاء لان معتق البعض كمكاتب لا بقبل شهادته عنده لا عندهما ولو شهدا أن الثانية أخت الميت قبل شهادة الأولى أو بعدها، أو معها لا تقبل بالاجماع، لأنا لو قبلنا لصارت عصبة مع البنت فيخرج العم عن الوراثة، بحر عن المحيط.
أقول هذا ظاهر عند وجود الشهادتين، وأما عند سبق شهادة الأختية فالعلة فيها هي علة البنتية فتفقه. وفي المحيط: مات عن أخ لا يعلم له وارث غيره فقال عبدان من رقيق الميت إنه أعتقنا في صحته وإن هذا الآخر ابنه فصدقهما الأخ في ذلك لا تقبل في دعوى الاعتاق لأنه أقر بأنه لا ملك له فيهما بل هما عنده للآخر لاقرار الأخ إنه وارث دونه فتبطل شهادتهما في النسب، ولو كان مكان الآخر أنثى جاز شهادتهما وثبت نسبها ويسعيان في نصف قيمتهما لأنه أقر أن حقه في نصف الميراث فصح بالعتق لأنه لا يتجزأ عندهما، إلا أن العتق في عبد مشترك فتجب السعاية للشريك الساكت. وأقول: عند (أبي حنيفة) يعتقان كما قالا، غير أن شهادتهما بالبنتية لم تقبل لان معتق البعض لا تقبل شهادته فتفقه.