صلى الله عليه وسلم أمر باكفاء القدور يوم خيبر ومعلوم ان ذلك مما لا ينتفع به في الظهر (وأما) الثالث فلانه عليه الصلاة والسلام خص النهى بالحمر الأهلية وهذا المعنى لا يختص بالحمر بل يوجد في غيرها (وأما) لحم الخيل فقد قال أبو حنيفة رضي الله عنه يكره وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يكره وبه أخذ الشافعي رحمه الله واحتجا بما روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل وروى أنه قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر وروى عنه أنه قال كنا قد جعلنا في قدورنا لحم الخيل ولحم الحمار فنهانا النبي عليه الصلاة والسلام أن نأكل لحم الحمار وأمرنا أن نأكل لحم الخيل وعن سيدتنا أسماء بنت سيدنا أبى بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ولأبي حنيفة رضي الله عنه الكتاب والسنة ودلالة الاجماع (أما) الكتاب العزيز فقوله جل شأنه والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة (ووجه) الاستدلال به ما حكى عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه روى أنه سئل عن لحم الخيل فقرأ بهذه الآية الشريفة وقال ولم يقل تبارك وتعالى لتأكلوها فيكره أكلها وتمام هذا الاستدلال ان الله تبارك وتعالى ذكر الانعام فيما تقدم ومنافعها وبالغ في ذلك بقوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس ان ربكم لرؤف رحيم وكذا ذكر فيما بعد هذه الآية الشريفة متصلا بها منافع الماء المنزل من السماء والمنافع المتعلقة بالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والمنافع المتعلقة بالبحر على سبيل المبالغة بيان شفاء لا بيان كفاية وذكر في هذه الآية انه سبحانه وتعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة ذكر منفعة الركوب والزينة ولم يذكر سبحانه وتعالى منفعة الاكل فدل انه ليس فيها منفعة أخرى سوى ما ذكرناه ولو كان هناك منفعة أخرى سوى ما ذكرنا لم يحتمل ان لا نذكرها عند ذكر المنافع المتعلقة بها على سبيل المبالغة والاستقصاء وقوله عز وجل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ولحم الخيل ليس بطيب بل هو خبيث لان الطباع السليمة لا تستطيبه بل تستخبثه حتى لا تجد أحدا ترك بطبعه الا ويستخبثه وينقى طبعه عن أكله وإنما يرغبون في ركوبه الا يرغب طبعه فيما كان مجبولا عليه وبه تبين ان الشرع إنما جاء باحلال ما هو مستطاب في الطبع لا بما هو مستخبث ولهذا لم يجعل المستخبث في الطبع غذاء اليسر وإنما جعل ما هو مستطاب بلغ في الطيب غايته (وأما) السنة فما روى عن جابر رضي الله عنه أنه قال لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة فأخذوا الحمر الأهلية فذبحوها فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الانسية ولحوم الخيل والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم الخلسة والنهبة وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وعن المقدام بن معدي كرب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال حرم عليكم الحمار الأهلي وخيلها وهذا نص على التحريم وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخيل لثلاثة فهي لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر ولو صلحت للاكل لقال عليه الصلاة والسلام الخيل لأربعة لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر ولرجل طعام (وأما) دلالة الاجماع فهي أن البغل حرام بالاجماع وهو ولد الفرس فلو كانت أمه حلالا لكان هو حلالا أيضا الآن حكم الولد حكم أمه لأنه منها وهو كبعضها ألا ترى ان حمار وحش لو نزى على حمارة أهلية فولدت لم يؤكل ولدها ولو نزا حمار أهلي على حمارة وحشية وولدت يؤكل ولدها ليعلم أن حكم الوليد حكم أمه في الحل والحرمة دون الفحل فلما كان لحم الفرس حراما كان لحم البغل كذلك وما روى في بعض الروايات عن جابر وما في رواية سيدتنا أسماء رضي الله عنها يحتمل أنه كان ذلك في الحال التي كان يؤكل فيها الحمر لان النبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن أكل لحوم الحمر يوم خيبر وكانت الخيل تؤكل في ذلك الوقت ثم حرمت يدل عليه ما روى عن الزهري أنه قال ما علمنا الخيل أكلت الا في حصار وعن الحسن رضي الله عنه أنه قال
(٣٨)