البيع فإن لم يكن لا ينعقد وان ملكه بعد ذلك بوجه من الوجوه الا السلم خاصة وهذا بيع ما ليس عنده ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ولو باع المغصوب فضمنه المالك قيمته نفذ بيعه لان سبب الملك قد تقدم فتبين أنه باع ملك نفسه وههنا تأخر سبب الملك فيكون بائعا ما ليس عنده فدخل تحت النهى والمراد منه بيع ما ليس عنده ملكا لان قصة الحديث تدل عليه فإنه روى أن حكيم بن حزام كان يبيع الناس أشياء لا يملكها ويأخذ الثمن منهم ثم يدخل السوق فيشترى ويسلم إليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبع ما ليس عندك ولان بيع ما ليس عنده بطريق الأصالة عن نفسه تمليك ما لا يملكه بطريق الأصالة وأنه محال وهو الشرط فيما يبيعه بطريق الأصالة عن نفسه فاما ما يبيعه بطريق النيابة عن غيره ينظر إن كان البائع وكيلا وكفيلا فيكون المبيع مملوكا للبائع ليس بشرط وإن كان فضوليا فليس بشرط للانعقاد عندنا بل هو من شرائط النفاذ فان بيع الفضولي عندنا منعقد موقوف على إجازة المالك فان أجاز نفذ وان رد بطل وعند الشافعي رحمه الله هو شرط الانعقاد لا ينعقد بدونه وبيع الفضولي باطل عنده وسيأتي إن شاء الله تعالى (ومنها) أن يكون مقدور التسليم عند العقد فإن كان معجوز التسليم عنده لا ينعقد وإن كان مملوكا له كبيع الآبق في جواب ظاهر الروايات حتى لو ظهر يحتاج إلى تجديد الايجاب والقبول الا إذا تراضيا فيكون بيعا مبتدأ بالتعاطي فإن لم يتراضيا وامتنع البائع من التسليم لا يجبر على على التسليم ولو سلم وامتنع المشترى من القبض لا يجبر على القبض وذكر الكرخي رحمه الله أنه ينعقد بيع الآبق حتى لو ظهر وسلم يجوز ولا يحتاج إلى تجديد البيع الا إذا كان القاضي فسخه بان رفعه المشترى إلى القاضي فطالبه بالتسليم وعجز عن التسليم ففسخ القاضي البيع بينهما ثم ظهر العبد وجه قول الكرخي رحمه الله ان الإباق لا يوجب زوال الملك الا ترى أنه لو أعتقه أو دبره ينفذ ولو وهبه من ولده الصغير يجوز وكان ملكا له فقد باع مالا مملوكا له الا أنه لم ينفذ للحال للعجز عن التسليم فان سلم زال المانع فينفذ وصار كبيع المغصوب الذي في يد الغاصب إذا باعه المالك لغيره أنه ينعقد موقوفا على التسليم لما قلنا كذا هذا وجه ظاهر الروايات ان القدرة على التسليم لذا العاقد شرط انعقاد العقد لأنه لا ينعقد الا لفائدة ولا يفيد إذا لم يكن قادرا على التسليم والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد وفى حصول القدرة بعد ذلك شك واحتمال قد يحصل وقد لا يحصل وما لم يكن منعقدا بيقين لا ينعقد لفائدة تحتمل الوجود والعدم على الأصل المعهود ان ما لم يكن ثابتا بيقين أنه لا يثبت بالشك والاحتمال بخلاف ما إذا أبق بعد البيع قبل القبض أنه لا ينفسخ لان القدرة على التسليم كانت ثابتة لذا العقد فانعقد ثم زالت على وجه يحتمل عودها فيقع الشك في زوال المنعقد بيقين والثابت باليقين لا يزول بالشك فهو الفرق بخلاف بيع المغصوب من غير الغاصب أنه ينعقد موقوفا على التسليم حتى لو سلم ينفذ ولان هناك المالك قادر على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين الا أنه لم ينفذ للحال لقيام يد الغاصب صورة فإذا سلم زال المانع فينفذ بخلاف الآبق لأنه معجوز التسليم على الاطلاق إذ لا تصل إليه يد أحد لما أنه لا يعرف مكانه فكان العجز متقررا والقدرة محتملة موهومة فلا ينعقد مع الاحتمال فأشبه بيع الآبق بيع الطير الذي لم يوجد في الهواء وبيع السمك الذي لم يوجد في الماء وذلك باطل كذا هذا ولو جاء انسان إلى مولى العبد فقال إن عبدك عند فلان فبعه منى وأنا أقبضه منه فصدقه وباعه منه لا ينفذ لما فيه من عذر القدرة على القبض على القبض لكنه ينعقد حتى لو قبضه ينفذ بخلاف الفصل المتقدم لان القدرة على القبض ههنا ثابتة في زعم المشترى الا ان احتمال المنع قائم فانعقد موقوفا على قبضه فإذا قبضه تحقق ما زعمه فينفذ بخلاف الفصل الأول لان العجز عن التسليم للحال متحقق فيمنع الانعقاد ولو أخذه رجل فجاء إلى مولاه فاشتراه منه جاز الشراء لان المانع هو العجز عن التسليم ولم يوجد في حقه وهذا البيع لا يدخل تحت النهى لان النهى عن بيع الآبق وهذا ليس بآبق في حقه ثم إذا اشترى منه لا يخلو اما ان احضر العبد مع نفسه واما ان لم يحضره فان أحضره صار قابضا له عقيب العقد بلا فصل وان لم يحضره مع نفسه ينظر إن كان أخذه ليرده على صاحبه وأشهد على ذلك لا يصير قابضا له ما لم يصل إليه لان قبضه قبض أمانة وقبض الأمانة
(١٤٧)