الميراث فإنه لا يمكن اثباته لغير مستحقه ولا يستحق الا أحدهما وهو غير معلوم فيوضع في بيت المال ضرورة وهذا بخلاف اللقيط انه يرثه بيت المال ويعتق عنه أيضا لان ههنا ولاؤه كان ثابتا من إنسان الا انه لا يعرف وإنما يجعل العقل على بيت المال إذا لم يكن له ولاء ثابت الا ان ميراثه يوضع في بيت المال لأنه مال ضائع ولا يثبت ولاء اللقيط من أحد فكان عقله على بيت المال كما أن ميراثه لبيت المال والله عز وجل أعلم وأما بيان ما يظهر به الولاء فالولاء يظهر بالبينة مرة وبالاقرار أخرى أما البينة فنحو ان يدعى رجل انه وارثه بولاء العتاقة فيشهد له شاهدان ان هذا الحي أعتق هذا الحي أو أعتق هذا الميت وهو يملكه وهو وارثه ولا يعلمون له وارثا غيره جازت الشهادة لأنهم شهدوا شهادة مفسرة لا جهالة فيها فقبلت ولو شهدا ان الميت مولاه وانه وارثه لا وارث له غيره لم تجز الشهادة حيت يفسر الولاء لان الولاء يختلف قد يكون ولاء عتاقة وقد يكون ولاء موالاة وأحكامها تختلف فما لم يفسر كان مجهولا فلا يقبل الشهادة عليه وكذلك لو شهدوا ان الميت مولاه مولى العتاقة أيضا لم يجز لان مولى العتاقة نوعان أعلى وأسفل واسم المولى يستعمل في كل واحد منهما على السواء فلا تقبل الشهادة الا بالبيان والتفسير ولو ادعى رجلان ولاءه بالعتق وأقام كل واحد منهما بينة جعل ميراثه بينهما لأنهما استويا في سبب الاستحقاق وهو الدعوى والحجة فيستويان في الاستحقاق ولو وقتا وقتا فالسابق وقتا أولى لأنه أثبت العتق في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وكان الثاني مستحقا عليه ولو كان هذا في ولاء المولاة كان صاحب الوقت الآخر أولى لان ولاء الموالاة يحتمل النقض والفسخ فكان عقد الثاني نقضا للأول الا ان يشهد شهود صاحب الوقت الأول أنه كان قد عقل عنه لأنه حينئذ لا يحتمل النقض فأشبه ولاء العتاقة وان أقام رجل البينة انه أعتقه وهو يملكه لا يعلمون له وارثا سواه فقضى له القاضي بميراثه وولائه ثم أقام آخر البينة على مثل ذلك لم يقبل الا ان يشهدوا انه اشترى من الأول قبل ان يعتقه ثم أعتقه وهو يملكه فيبطل قضاء الأول لان الأصل أن القاضي إذا اقضي بقضية فإنه لا يسمع ما ينافيها الا إذا تبين ان القضاء الأول كان باطلا وإذا لم يشهدوا انه اشتراه من الأول قبل ان يعتقه ثم يتبين بطلان القضاء الأول فلا تقبل البينة من الثاني الا إذا قامت على الشراء من الأول قبل ان يعتقه فيقبل ويقضى للثاني ويبطل قضاؤه للأول لأنه تبين بهذه الشهادة ان الأول أعتق ما لا يملك فتبين انه وقع باطلا وصح الثاني وأما الاقرار فنحو ان يقر رجل انه مولى لفلان مولى عتاقة من فوق أو تحت وصدقه الآخر وهو مولاه يرثه ويعقل عنه قومه لان الولاء سبب يتوارث به فيصح الاقرار به كالنسب والنكاح فإن كان له أولاد كبار فأنكروا ذلك وقالوا أبونا مولى العتاقة لفلان آخر فالأب مصدق نفسه وأولاده مصدقون على أنفسهم لأنه لا ولاية للأب على الأولاد الكبار فلا ينفذ اقراره عليه ويصح اقرارهم على أنفسهم لان لهم ولاية على أنفسهم وإن كان الأولاد صغارا كان الأب مصدقا لأنه له ولاية على أولاده الصغار ألا ترى انه لو عقد مع إنسان عقد الولاء تبعه أولاده الصغار وان كذبته الام ونفت ولاءه لم يلتفت إلى قولها ويؤخذ بقول الأب لان الأب إذا كان حيا كانت الولاية له والولاء يشبه النسب والنسب إلى الآباء وكذلك ان قالت هم ولدى من غيرك لم تصدق لأنهم في يد الأب دون الام فلا تصدق الام أنهم لغيره فان قالت ولدته بعد عتقي بخمسة أشهر فهو مولى الموالي وقال الزوج ولدتيه بعد عتقك بستة أشهر فالقول قول الزوج لان الولد ظهر في حال يكون ولاؤه لمولى الأب والمرأة تدعى انها ولدت في حال يكون ولاؤه لمولى الام فكان الحال شاهدا للزوج فلا يقبل قولها الا بينة ونظير هذا الزوج والمرأة إذا اختلفا فقال أحدهما كان النكاح قبل ستة أشهر والولد من الزوج وقال الآخر كان النكاح منذ أربعة أشهر فالقول قول الذي يدعى ان النكاح قبل ستة أشهر لان الولد ظهر في حال اثبات النسب من الزوج وهو حال قيام النكاح ويصح الاقرار بولاء العتاقة في الصحة والمرض لأنه سبب التوارث فيستوى فيه الصحة والمرض كالنسب والنكاح ولو قال أعتقني فلان أو فلان وادعاه كل واحد منهما على صاحبه فهذا الاقرار باطل لأنه اقرار بمجهول فان أقر بعد ذلك لأحدهما أو لغيره انه مولاه
(١٦٩)