قلت: وفي جعله منكرا نظر، لأن تعدد المؤذنين وترتيبهم مطلوب في غير المغرب كما سيأتي، وأما ما ذكره من المفسدة فذلك لعدم ضبط المؤذن والامام والله أعلم. نعم من المنكرات أذانهم على حزورة يوم الجمعة عند دخول الامام إلى المجسد الحرام فإنه بدعة لا أصل لها كما يأتي بيانه في باب الجمعة، والحزورة بالحاء المهملة على وزن قسورة هذا هو الصواب، وبعض الناس يشدد الواو وبفتح الزاء، والعامة يقولون: عزورة وهو غلط كان سوق مكة في الجاهلية وقد أدخل في المسجد الحرام.
تنبيه: حيث استطرد الكلام إلى ذكر ما أحدثه المؤذنون فلنختم ذلك بفروع ثلاثة لا بأس بالتنبيه عليها.
أحدها: الاذان خلف المسافر. قال في المدخل في الفصل الذي تكلم فيه على تسمين النساء: ومما أحدثوه من البدع ما يفعله بعضهم من أنهم يتركون تنظيف البيت وكنسه عقب سفر من سافر من أهله ويتشاءمون بفعل ذلك بعد خروجه ويقولون: إن ذلك فعل لا يرجع المسافر.
وكذلك ما يفعلونه حين خروجهم معه إلى توديعه فيؤذنون مرتين أو ثلاثا، ويزعمون أن ذلك يرده إليهم وهذا كله مخالف للسنة المطهرة. ومن العوائد التي أحدثت بعدها فإن قيل: قد توجد هذه الأشياء كما يذكر الناس. فالجواب أن ذلك إنما وقع لأجل شؤم مخالفة السنة والتدين بالبدعة فعوملوا بالضرر الذي يتوقعونه. وقد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أن المكروهات لا تندفع إلا بالامتثال انتهى. وقال الناشري من الشافعية في الايضاح: يستحب الاذان لمزدحم الجن وفي أذن الحزين والصبي عندما يولد في اليمين ويقيم في اليسرى، والاذان خلف المسافر والإقامة.
وفي فتاوى الأصبحي هل ورد في الأذان والإقامة عند إدخال الميت القبر خبر؟ فالجواب لا أعلم فيه ورود خبر ولا أثر إلا ما يحكى عن بعض المتأخرين ولعله مقيس على استحباب الأذان والإقامة في أذن المولود، فإن الولادة أول الخروج إلى الدنيا وهذا أول الخروج منها، وهذا فيه ضعف فإن مثل هذا لا يثبت إلا توفيقا انتهى، وانظر قوله: لمزدحم الجن ولعله يشير إلى حديث: إذا تغولت الغيلان فنادوا بالاذان كما سيأتي. وأما قوله: في أذن الحزين فيشير إلى ما أخرجه الديلمي عن علي كرم الله وجهه قال: رآني النبي (ص) حزينا فقال: يا ابن أبي طالب أراك حزينا، فمر بعض أهلك يؤذن في أذنك فإنه دواء للهم، فجربته فوجدته كذلك.
وقال: كل من روى من رواية الديلمي إنه جربه فوجده كذلك. وروى الديلمي أيضا عنه قال:
قال رسول الله (ص): عمن ساء خلفه من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه انتهى. وذكر الشيخ أبو الليث السمرقندي صاحبي تنبيه الغافلين أن الاذان عند ركوب البحر من البدع.
الثاني: قال النووي في كتاب الأذكار في باب ما يقول إذا عرض له شيطان: ينبغي أن