قالوا لو كان في طرف البلد مساكن خربت وخلت من السكان إلا أن أبنيتها قائمة لم يقصر حتى يجاوزها، فبأن يعتبر ذلك في البساتين المسكونة القائمة البنيان والعمارة المتصلة أولى انتهى. وفهم من كلامه أن البساتين إنما تعتبر إذا كانت متصلة بالقرية وبذلك صدر أول المسألة فقال: وإذا كانت بساتين القرية متصلة بها لم يقصر حتى يفارقها، ويدل أيضا على اعتبار الاتصال ما ذكره بعد ذلك ونصه، لو كانت قريتان يتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما في حكم القرية، وإن كان بينهما فضاء فلكل واحدة حكم الاستقلال انتهى. وانظر كلام الآبي وابن بشير ففيه زيادة.
فائدة: قال ابن بشير: إن سافر من مصر لا بناء حوله ولا بساتين قصر بمفارقته لسوره.
قيل: حتى يجاوز البلد بثلاثة أميال. وإن كان حول المصر بنا آت معمورة وبساتين، فإن اتصلت به وكانت في حكمه فلا يقصر حتى يجاوزها، وإن لم تتصل به وكانت قائمة بأنفسها قصر وإن لم يجاوزها. وإن سافر من قرية لا تقام فيها الجمعة ولا بنا آت متصلة بها ولا بساتين قصر إذا فارق بيوت البلد بلا خلاف، وإن كانت متصلة بها بنا آت وبساتين فكما قلناه في المصر.
وإن كان السفر من بيوت العمود فإذا فارق الحلل التي سافر عنها قصر بلا خلاف في المذهب انتهى. وقال الآبي: كان الشيخ يعني ابن عرفة يعتبر البساتين التي في حكم المصر كالبساتين التي يرتفق ساكنها بمرافق المصر من أخذ نار وطبخ وخبز وما يحتاج إلى شرائه في الحال ويمثل ذلك برأس الطابية وما قاربها انتهى.
فروع: الأول: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة فلو قصر قبل مجاوزة البيوت على المشهور، وقيل يعيد في الوقت أو مطلقا أو لا إعادة عليه، انظر ذلك فإني لم أقف عليه انتهى.
الثاني: قال في كتاب الحج الأول من المدونة فيمن ودع وخرج من مكة إلى ذي طوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجع للوداع ويتم الصلاة بذي طوى ما داموا فيها لأنها من مكة انتهى. ونحوه في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ونصه: وسئل عن القوم يبرزون من مكة إلى ذي طوى يريدون المسير، أيقصرون؟ قال: لا أرى ذلك ولكن أرى لهم أن يتموا. ابن رشد: مثل هذا في كتاب الحج الثالث من المدونة وزاد: لأن طوى عندي من مكة فذكر العلة في ذلك انتهى. وعزا ابن عرفة هذه المسألة للحج الثالث من المدونة كما فعل ابن راشد وإنما هي في الحج الأول كما تقدم. وقوله إنه يتم بذي طوى يظهر أنه مخالف لقولهم يقصر إذا جاوز البلد وبيوته وبساتينه لأن ذا طوى منفصل عن بيوت مكة بمسافة كثيرة. ويمكن أن قال: إنما حكم بالاتمام لمن كان بذي طوى لأن الشارع جعل من كان مقيما بها من حاضري المسجد الحرام ولذلك جعلها بمنزلة مكة وكأنهما يمنزلة البلد الواحد انتهى.