قلت: فعلى هذا يكون المشهور ما قاله ابن شعبان فإنه لا يجوز الاستنجاء به ولا إزالة النجاسة، وأما أنه يزيلها أولا محل نظر انتهى كلام البساطي، وقوله: فعلى هذا يكون المشهور ما قال ابن شعبان يعني لان الشيخ خليلا شهر القول بنجاسة الميت. وقوله: فإنه لا يجوز الاستنجاء به الظاهر أنه بالفاء كما يدل عليق كلامه، ورأيته في نسخة بالواو. والظاهر أن قول المصنف في فصل الجنائز ولو بزمزم وإنما أراد به - والله أعلم - أن يبين أن المذهب صحة غسل الميت به وأنه غير ممنوع كما يقول ابن شعبان بناء على ما فهمه المصنف وابن عبد السلام عن ابن شعبان، وكذلك قول ابن عبد السلام لا شك أنه ماء مبارك ومع ذلك لا يمنع أن يصرف فيما يصرف فيه غيره، وقول المصنف في التوضيح إذ ظاهر المذهب الجواز، إنما قال ذلك في مقابلة كلام ابن شعبان حيث فهماه على المنع ولم يريدا نفي الكراهة إذا قلنا: إن الميت نجس لا ينبغي أن يختلف في كراهة غسل النجاسة. وقد تقدم التصريح بها في كلام ابن بشير وابن الحاجب وابن الكروي وابن فرحون، وقوة كلام اللخمي يدل عليها، ولم نقف على نص في نفيها إلا ما يفهم من كلام الشيخ ابن أبي زيد في رده على ابن شعبان. وقد تقدم أن الظاهر أنه إنما رد عليه لأنه فهم كلامه على المنع بل تقدم في كلام ابن عرفة أن ابن عبد السلام أفتى بأنه لا يكفن الميت في ثوب غسل بماء زمزم فإن من المعلوم أنه إنما أراد بذلك على سبيل الكراهة وإن كان ذلك خلاف الظاهر والله أعلم. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب:
ولا تزال النجاسة إلا بالماء يدخل في كلامه ماء زمزم وهو خارج، ولا تزال به نجاسة من البدن ولا من الثوب انتهى.
قلت: فينبغي أن يحمل كلامه على الكراهة وإلا كان مخالفا للمذهب. ونقل سيدي الشيخ زروق في شرح الرسالة عن ابن شعبان أنه قال: لا يتطهر بماء زمزم لأنه طعام لقوله عليه الصلاة والسلام: هو طعام طعم وشفاء سقم. والمعول عليه خلافه لا في النجاسات فيحمل على استعماله فيها انتهى.
قلت: كلامه يقتضي أن ابن شعبان منع التطهير به مطلقا، ولم أقف على ذلك في كلام غيره، وكذلك لم أقف على أنه علل ذلك بكونه طعاما إلا في كلامه، والمنقول عن ابن شعبان ما تقدم فليعتمد عليه. ثم وقفت على كلام ابن شعبان في الزاهي ونصه في أول كتاب الطهارة ولا يستعمل ماء زمزم في المراحيض ولا يخلط به نجس ولا يزال به ولا يغسل به في حمام، ولا بأس أن يتوضأ به من سلمت أعضاء وضوئه من النجس، وكذلك يغتسل به من الجنابة من ليس بظاهر جسده أذى وإن أصاب الفرجين إذا كانا طاهرين انتهى. قال في باب الحج: ويتوضأ به ولا يغسل به نجس انتهى. والله أعلم.
وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لاضطراب النقول فيها فأردت تحرير ما ظهر لي من