مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٦٤
قد حكي به عن ابن عمر كراهة الوضوء به، فقد انعقد الاجماع على خلافه، وماء العيون والآبار والماء الذي نبع من بين أصابعه (ص) وهو أشرف المياه. قال القرطبي: لم نسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا (ص) حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، ونقله عنه ابن حجر في علامات النبوة من كتاب المناقب من شرح البخاري. وقال: في القبس ونبع الماء من بين أصابعه خصيصة لم تكن لاحد قبله. قال النووي في أول كتاب الفضائل من شرح مسلم:
وفي كيفية هذا النبع قولان حكاهما القاضي عياض وغيره، أحدهما ونقله القاضي عن المازري وأكثر العلماء أن الماء كان يخرج من بين أصابعه (ص) وينبع من ذاتها قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر. والثاني: أن الله كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين أصابعه انتهى.
قلت: وعلى القول الأول فهو أشرف مياه الدنيا والآخرة. وقد ذكر شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخ مكة عن شيخه شيخ الاسلام البلقيني، وذكره أيضا صاحب المواهب اللدنية عن البلقيني أن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر لغسل قلبه (ص) به فكيف بما خرج من ذاته (ص)؟ ودخل في ماء الآبار ماء زمزم وهو كذلك. قال في كتاب الجنائز من النوادر عن ابن شعبان: لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة. قال الشيخ ابن أبي زيد:
ما ذكره في ماء زمزم لا وجه له عند مالك وأصحابه، ونقله عن ابن عرفة في كتاب الجنائز بلفظ قوله: ولا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة خلاف قول مالك وأصحابه. قال ابن عرفة:
وأبعد منه سماعي ابتداء قراءتي فتوى ابن عبد السلام لا يكفن بثوب غسل بماء زمزم انتهى.
وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: وماء السماء وماء الآبار وماء العيون وماء البحر طيب طاهر مطهر للنجاسات، هذا عام يدخل فيه بئر زمزم وهو المشهور أن ماء زمزم يتوضأ به وتزال به النجاسة، ولا خلاف فيه إلا ما روي عن ابن شعبان من أنه قال: لا تزال به النجاسة تشريفا له انتهى. ونحوه للشيخ يوسف بن عمر.
قلت: أما الوضوء به لمن كان طاهر الأعضاء فلا أعلم في جوازه خلافا بل صرح باستحبابه غير واحد نقلا عن ابن حبيب، وكذلك لا أعلم في جواز الغسل به لمن كان طاهر الأعضاء خلافا بل صرح ابن حبيب أيضا باستحباب الغسل به. قال فضل بن مسلمة في اختصار الواضحة لابن حبيب: ويستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم تبركا ببركته يكون منه شربه ووضوؤه واغتساله ما أقام بمكة ويكثر من الدعاء عنه شربه انتهى. ويؤخذ استحباب الغسل أيضا من كلام اللخمي كما سيأتي قريبا إن شاء الله. وقال النووي في شرح المهذب، مذهب الجمهور كمذهبنا أنه لا يكره الوضوء والغسل به. وعن أحمد رواية بكراهيته لأنه جاء عن العباس أنه قال عند زمزم: لا أحله لمغتسل وهو لشارب حل وبل. قال: ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء به بلا إنكار ولم يصح ما ذكروه عن العباس بل حكي عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست