العباس لم يجز ترك النصوص به. وأجاب أصحابنا بأنه قاله في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين انتهى.
قلت: وذكر المحب الطبري في الباب السابع والعشرين من القرن أثر العباس وقال: لا أحلها لمغتسل وهي للشارب حل وبل قال: والبل الحل كرره تأكيدا والظاهر أنه يريد الغسل من الجنابة لمكان تحريم اللبث في المسجد، وإنما أسند التحريم إلى نفسه لأنه ملك الماء بحيازته في حياض كان يجعلها هناك فالمغتسل من الجنابة ارتكب التحريم من وجهين: من جهة اللبث في المسجد ومن جهة استعمال المملوك دون إذن مالكه انتهى.
قلت: أما الوجه الأول فغير ظاهر لان موضع زمزم وحريمها سابق على المسجد فلا يدخل في تحبيس المسجد، وقد ذكر صاحب المدخل وغيره أن البيت إذا كانت سابقة على المسجد لا يدخل حريمها في تحبيس المسجد، وقد ذكر الأزرقي أن حد المسجد الحرام كان إلى جدار زمزم، ورأيت لبعض الشافعية تأليفا صرح فيه بأن موضع زمزم غير داخل في تحبيس المسجد والله أعلم. نعم مرور الجنب في المسجد لا يجوز عند المالكية، وأما إزالة النجاسة بماء زمزم فالظاهر أن ذلك مكروه ابتداء، فإن أزيلت به طهر المحل، ويختلف في كراهة غسل الميت به على الخلاف في طهارة الميت ونجاسته، فإن قلنا بطهارته كما هو الأظهر الصحيح جاز غسله به بل قال اللخمي: إنه أولى لما يرجى من بركته كما سيأتي، وإن قلنا بنجاسته على القول الذي قدمه المصنف في كلامه الآتي كره غسله به كما صرح به ابن بشير وغيره. قال ابن بشير في كتاب الجنائز: واختلف في كراهة غسله بماء زمزم وسبب الخلاف ما قدمنا من الحكم بنجاسته، فإن حكمنا بها كرهنا غسله به لكراهة استعمال هذا الماء في النجاسات، وأهل مكة يحكون أن رجلا استنجى به فحصل له الباسور. وإن حكمنا بطهارة الميت أجزنا غسله به انتهى. وقال ابن الحاجب في كراهة غسله بماء زمزم قولان إلا أن تكون فيه نجاسة انتهى. قال اللخمي بعد أن ذكر قول ابن شعبان: لا يغسل به ميت ولا نجاسة وهذا على أصله لأنه يقول: إن الميت نجس ولا يقرب ذلك الماء النجاسة، وقد ذكر أن بعض الناس استنجى به فحدث به الباسور وأهل مكة يتقون الاستنجاء به، وعلى القول بأن الميت طاهر يجوز أن يغسل بماء زمزم بل هو أولى لما يرجى من بركته انتهى.
قلت: هذا كلام اللخمي الموعود به فإنه يفهم منه استحباب الغسل به لمن كان طاهر الأعضاء لأنه إذا كان غسل الميت به أولى لرجاء بركته فالحي من باب أولى للاتفاق على طهارته. وصرح ابن الكروي في كتاب الوافي له بكراهة استعماله في النجاسات احتراما له.
وقال ابن فرحون في منسكه: لما ذكر في فضل زمزم حديث النظر إليها عبادة والطهور منها يحبط الخطايا ما نصه.