مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
قلت: ويمكن أن يجاب عن هذه الايرادات بأن يقال: لا شك أن كراهة النافلة بعد الاسفار أشد منها قبله بدليل جواز الصلاة على الجنازة وسجود التلاوة قبله وكراهتهما بعده والإعادة في الوقت، فإن كانت بنية الفرض إلا أنها لما كانت على جهة الاستحباب على المشهور أشبهت النافلة فمنعت في الوقت الذي فيه الكراهة أشد، ويفرق بين الظهرين والصبح على القول الذي صححه ابن بشير بأن جميع وقت الصبح قد قيل فيه: إنه وقت مختار للصبح وإنه لا ضروري لها، وهو قول قوي في المذهب. ويفرق بين مسألة الصلاة بالنجاسة وبين مسألة من ترك الترتيب، أن الترتيب آكد من إزالة النجاسة بدليل أنه يقدم الفائتة ولو أدى لخروج وقت الحاضرة ويصير قضاء بخلاف النجاسة، فإنه إذا ضاق الوقت عن غسلها صلى بها، ولان اليسير من بعض النجاسات معفو عنه، ولان ابن رش جعل المشهور من المذهب أن إزالتها سنة وحكى فيها قولا بالاستحباب. وإنما فرق في القول الثالث بين المضطر والناسي لأنه رأى أن تركها مع النسيان أخف بدليل أن من نسي عضوا من أعضاء الوضوء يبني ولو طال ومن عجز ماؤه يبني ما لم يطل.
تنبيهات: الأول: اختلف في وقت الجمعة الذي تعاد فيها إذا صلاها بنجاسة، فذكر في النوادر في ذلك ثلاثة أقوال ونقلها ابن عرفة. الأول أن وقتها يخرج بالفراغ منها وعزاه في النوادر لاختيار سحنون، ويفهم من كلامه أنه اختاره لما روي عن مالك، وعزاه ابن عرفة لرواية سحنون و عبد الملك ابن الماجشون عن مالك. الثاني أنه يخرج بخروج الوقت المختار للظهر وعزاه في النوادر لعبد الملك. وعزاه ابن عرفة له ولسحنون. الثالث أن يعيدها ما لم تغرب الشمس وعزاه في النوادر لابن حبيب وكذلك ابن عرفة.
الثاني: يخرج وقت الفائتة بالفراغ منها فلا تعاد على المشهور. قال في النوادر قال يحيى بن عمر: وهذا قول مالك وجميع أصحابه. وقال ابن وهب: من ذكر صلاة نسيها منذ شهر فصلاها ثم ذكر أنه صلاها بثوب نجس يعيدها. انتهى.
قلت: وهذه المسألة وقعت في سماع عبد الملك بن عبد الحسن من كتاب الصلاة من العتبية فقال ابن رشد رحمه الله تعالى في شرحها: قول ابن وهب صحيح على أصله في أن إزالة النجاسات من الثياب والأبدان من فروض الصلاة عند الاطلاق، وهو خلاف مذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك أن الصلاة الفائتة بتمامها يخرج وقتها. انتهى. وكذلك لا تعاد النافلة إلا ما سيأتي في ركعتي الطواف أنه يعيدهما بالقرب.
الثالث: وهل الإعادة في الوقت واجبة أو مستحبة؟ فيه خلاف، والراجح أنها على وجه الاستحباب، فلو لم يعد حتى خرج الوقت فلا إعادة عند ابن القاسم كما صرح بذلك في الذخيرة، وصرح به في الجواهر في باب التيمم ونقله ابن ناجي رحمه الله تعالى وغيره، وعليه
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست