وإلا أعاد الظهرين أي وإن صلى بالنجاسة ولم يكن ذاكرا لها عند الصلاة، وإما بأن لم يعلم بها أصلا أو علم بها ونسيها أو صلى بها عاجزا عن إزالتها فإنه يعيد الصلاة في الوقت الضروري وهو في الظهرين إلى الاصفرار. والمراد بالظهرين الظهر والعصر فهو من باب التغليب، وهو واقع في كلام العرب فيغلبون الأخف كالعمرين في أبي بكر وعمر، والمذكر كالقمرين في الشمس والقمر، والأسبق كالظهرين في الظهر والعصر، وما ذكره المصنف هنا وفي ستر العورة من إعادة الظهرين للاصفرار قاله في كتاب الطهارة من المدونة وهو المشهور، وقيل: يعيدهما إلى المغرب. وروي عن مالك وقيل: يعيد العاجز للغروب والناسي للاصفرار، وهذا القول اختاره ابن يونس وجعله أبو الحسن مذهب المدونة لما ذكر المعيدين لصلاتهم، وتبعه على ذلك ابن غازي في الأبيات التي نظمها في ذلك. قال في التوضيح: وعلى المشهور فيعيد المغرب الليل كله نص على ذلك في المدونة.
قلت: هكذا ذكر ابن يونس عن المدونة ولم أقف عليه في الام في كتاب الطهارة عند الكلام على هذه المسألة، ولم يذكره البراذعي في اختصاره، وكذلك قال الشيخ أبو الحسن في شرحه يعني وفي المغرب والعشاء الليل كله، واختار اللخمي أن الصلاة إنما تعاد في وقتها المختار فقال: فيعيد الظهر إلى مقدار أربع ركعات من القامة الثانية، والعصر إلى الاصفرار، والمغرب إلى مغيب الشفق، والعشاء إلى نصف الليل، وخرج الباجي على القول بإعادة الظهرين إلى الاصفرار، أن المغرب والعشاء تعادان إلى ثلث الليل أو نصفه فإنه جعل الإعادة على هذا القول إلى آخر الوقت المختار للصلاة الثانية قال: وأما الصبح فإن قلنا: ليس لها وقت ضرورة فإلى طلوع الشمس، وإن قلنا: لها وقت ضرورة فإلى آخر وقت الاختيار وهو الاسفار. والمنصوص عن مالك من رواية ابن القاسم إعادة الظهرين للاصفرار، والعشاءين لطلوع الفجر، وفي الصبح روايتان: فروي عنه إلى الاسفار، وروي إلى طلوع الشمس، وقال ابن بشير: الصحيح أن المغرب والعشاء تعادان ما لم يطلع الفجر، والفجر ما لم تطلع الشمس، وخص المصنف الظهرين بالذكر تبعا للمدونة، ولان القياس يقتضي أن تعاد إلى الغروب كما أن العشاءين تعادان إلى الفجر. وفرق ابن يونس رحمه الله تعالى بينهما بأن الإعادة في الوقت إنما هي على طريق الاستحباب فأشبهت التنفل فكما لا ينتفل إذا اصفرت الشمس فكذلك لا يعيد فيه إلا ما وجبت إعادته في الوقت، وكما جاز التنفل الليل كله جازت الإعادة فيه. انتهى. واعترض ذلك بأن الإعادة إنما هي بنية الفرض لا النفل، وبأن كراهة النافلة ليست خاصة بما بعد الاصفرار بل تكره النافلة من بعد صلاة العصر، وبأنه يلزم أن لا تعاد الصبح بعد الاسفار. وجزم بهذا القول - أعني عدم إعادة الصبح بعد الاسفار - ابن الكروف ولم أره لغيره وتقدم أن الصحيح أنها تعاد إلى طلوع الشمس وبأنهم قالوا فيمن ترك الترتيب بين الحاضرتين نسيانا، وفيمن قدم الحاضرة على الفوائت اليسيرة: إنه يعيد الظهر والعصر للغروب.