ألست من قتلة عثمان؟ قال: لا ولكني ممن حضره فلم ينصره. فقال: وما منعك من نصره؟ قال: لم تنصره المهاجرون والأنصار. فقال معاوية: أما لقد كان حقه واجب عليهم أن ينصروه. قال: فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام؟ فقال: أما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا (1) وروي أن معاوية عندما دنا إلى باب دار عثمان بن عفان صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها. فقال لها معاوية: يا بنت أخي، إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حلما تحته غضب. وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منا، شحوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم. ومع كل إنسان منهم شيعة، وهو يرى مكان شيعته. فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا. وأن تكوني ابنة عثمان أمير المؤمنين. أحب إلي أن تكوني أمة من إماء المسلمين. ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك (2).
وهكذا اندثرت لافتة " قميص عثمان " بعد أن حققت أهدافها، وأصبح معاوية نعم الخلف لأبناء عثمان بعد أبيهم. وعلى امتداد الطريق من الكوفة إلى المدينة، وضع معاوية يده على حقائق منها أن حب علي بن أبي طالب في القلوب، وأن تعاليمه راسخة رسوخ الجبال، ولن يكون من السهل انفراد الحكام ببيوت المال، وأن حقه واضح ومنزلته من الرسول لا تحتاج إلى بيان طويل.
وفوق كل هذا علم معاوية أن تاريخه الأموي تاريخ مكشوف أمام المهاجرين والأنصار، وأن كل ما ادعاه في حربه مع علي أصبح مفضوحا على ساحة المدينة وما حولها. وأما هذا وغيره، أقدم معاوية على سياسة يتم من خلالها التعتيم على دائرة الطهر، وفي الوقت نفسه تصنع له تاريخ.