عثمان: فاستغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال ابن مسعود: أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي، ولم يكن ابن مسعود هو أول وآخر من سلك فيهم عثمان، سياسة القمع. فهناك عمار بن ياسر. الذي طالما تمرد وتمرد على عثمان وزمرته. وكان عمار رغم ضعف عشيرته، ذا مركز اجتماعي كبير، منحته إياه سابقيته، وبلاؤه مع الرسول صلى الله عليه وآله وكان كما سبق القول، ميزانا للحق والباطل (131). وكذلك حرص عثمان أن لا يمارس عليه القمع مثل ما فعل بالآخرين، غير أن التصعيد الثوري فرض عليه خيار القمع المضاد للتمرد. ويذكر البلاذري في أنساب الأشراف، أن عثمان أخذ جواهر من بيت المال فحلى به بعضا من أهله فغضب الناس. فخطب فقال: (لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وآن رغمت أنوف أقوام).
فقال له علي: إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك. فقال عثمان: أعلي يا ابن المتكاء تجترئ! خذوه.
فأخذ، ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه. وما زال عمار في مناوئته لعثمان، ومعارضته لسياسته حتى قتل كما أستمر عثمان في ملاحقة المعارضة ورموزها. وفي تلك الأثناء كان بالشام أحد كبار الصحابة وطلائع الرسالة، وهو أبو ذر الغفاري (رض) وقد كان رجلا ثوريا لم تثنه لومة ولا ثناء، عن نصرة الرسالة. وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء رجلا أصدق ذي لهجة من أبي ذر) (132). ولذلك لما رأى عثمان بالمدينة يقرب أبناء عشيرته ويكثر لهم في العطاء من بيت مال المسلمين، رفع صوته عاليا: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم). فضاق عمال عثمان وأقرباؤه بهذا الشعار، فشكاه مروان بن الحكم إلى عثمان، فأرسل إليه عثمان، فرد عليهم أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر الله: لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي من أن أرضي عثمان بسخط الله.