وعندما احتد الصراع بين أبي ذر وعثمان، وحدت لهجته أمام كعب، أمره عثمان بالالتحاق بالشام. وتلك كانت جزءا من الخطة التي اعتمدها عثمان، في نفي الصحابة إلى الشام ليذلهم بمعاوية بعيدا عن الأنظار.
غير أن أبا ذر أصدق لهجة من أن تحتويه (ديماغوجية) معاوية بن أبي سفيان.
لذلك أفشل مخطط عثمان، فكاد يفجر الأوضاع على معاوية في الشام. حيث استمر على ذات الشعار. وانتقد معاوية انتقادا جذريا، إذ قال له بعد استنكاره بناء (الخضراء)، إنه إن كنت بنيتها بمال المسلمين، فقد خنتهم، وإن كان ذلك من مالك فهو إسراف. وفي كلتا الحالتين، يكون سلوك معاوية منحرفا عن خط السياسة الإسلامية فكان يجتمع حوله الناس ويصغون. وعز على معاوية أن يفقد مكتسبات سنوات من التربية الأموية للشام فكتب إلى عثمان، يستنجده من أبي ذر. فطلب منه عثمان أن يشخصه إليه في أغلظ مركب وأوعره. فلما حضر المدينة، لم ينته عن أن يصدع بالحق في وجوه الفئات الأرستقراطية الأموية.
واستمر في مهمة التحريض. وكان من مصلحة عثمان والأمويين أن لا يبقى أبو ذر في المدينة ولا في الشام، ولا في أي أرض يكثر فيها الناس فنفاه إلى الربذة، حيث لبث فيها إلى أن مات. وتذكر التواريخ، أنه لم يجد إلا عابري سبيل دفنوه بعد أن عجزت زوجته عن ذلك.
هذا هو النهج القمعي، الذي مارسه عثمان مع أقرب رجالات الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يرع فيهم شهادة الرسول صلى الله عليه وآله ولا مودته لهم، بل جن جنونا لم يعد يعترف ألا بمصلحته وأقربائه. وفي نفس الوقت الذي فعل ذلك بالصحابة الكبار، الذين تمسكوا بخط الرسول وآل بيته. كان يغدق في العطاء للطلقاء من أقربائه. فلقد طرد أبا ذر إلى الربذة، أحد حواري الرسول صلى الله عليه وآله وأعاد من المنفى خصم رسول الله الحكم بن العاص. وقطع العطاء على ابن مسعود، ووسع في الإمارة لمعاوية بن أبي سفيان. واغتصب فدكا من ولد فاطمة الزهراء (ع) وأقطعها مروان. ورفض قضاء علي (ع) بخصوص عبيد الله إن عمر وقبل قضاء عمرو بن العاص فيه. وكان عمار بن ياسر قد حزن لما سمع بموت أبي ذر، وأفصح عن عواطفه تجاهه. فلما رأى منه عثمان ذلك، ظن أنه يوجه إليه