إن المسألة ليست بهذه البساطة، فعثمان منذ البداية سلك نمطا من الخلافة العشائرية، حيث حمل بني أمية على رقاب الناس، وهو إنذار سبق أن قاله عمر بن الخطاب عند مقتله، وقد مني عثمان بمعارضة قوية أكثر من أي خليفة آخر، والسبب في ذلك، هو أن عثمان بلغ مستوى أكثر تعسفا في تقريب عشيرته، وإعطائها المناصب الحساسة في الدولة الإسلامية.
ولو أخذنا بعين الاعتبار، عامل العشيرة في تشكيل الكيان المعارض لعثمان، سوف ندرك أن عثمان لم يتعرض للقتل لأنه، خالف الالتزام الديني فحسب، وإنما لأنه، رفع من عشيرته، ومكن لها، وسلمها مقاليد الخلافة. كيف - إذا - بدأت خلافة عثمان، وكيف انتهت؟.
لقد تعهد عثمان منذ تسلمه مقاليد الخلافة، بأنه سيتمسك بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان رجل يعي كلامه، وهو وأحد المقربين إلى الشيخين، ومدرك لكل مسالكها في الداخل والخارج. وهو الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وآله وشهد غدير خم، فهو يدرك أن الشيخين هما أول مغامرين في الإسلام، وعرف أيضا، أنه إذا سلك مسيرة الشيخين فإنه سينطلق من نفس منطلقاتها، وهي التعاطي السلبي مع آل البيت (ع) والصحابة الكبار، لقد بدأ بدعم الطلقاء وأبنائهم خلافته، بتعطيل حكم الإسلام في قضية عبيد الله بن عمر قاتل الهرمزان، وجفينة وبنت أبي لؤلؤة، انتقاما لأبيه كما تقدم. وقد استفتى الصحابة، وقضى علي (ع) بقتله وعثمان، أقسم إنه سيقيم عليه الحد، إلا أنه تجاوز عنه بعد أن تدخل عمرو بن العاص، وكان ذلك بمثابة أول شرخ في جهاز القضاء في عهد عثمان، كان منذ البداية قد أسفر عن الوجه الحقيقي، لتوجهه السياسي. وهو العمل على بناء عشيرته وتقويتها. بعد أن كانت حركة الإسلام قد أضعفتها وكسرت شوكتها. كما كان جهازه الاستشاري مؤلفا من الذين أدخلهم الخوف إلى الإسلام. واستبعد كبار الصحابة، فلما وصل الخبر بما يروج حوله من نعي وانتقاد. أرسل إلى معاوية وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد بن العاص، وإلى عمرو بن العاص، وآخرون مثلهم، فجمعهم يشاورهم ويخبرهم بما بلغ منه، فلما اجتمعوا عنده قال: (إن لكل امرئ وزراء نصحاء، وانكم