وكان من مصلحة عثمان أن يلجأ إلى قتل علي، وطلحة، والزبير.. فيما لو أطاع معاوية (128). لكنه رأى أن ذلك سيؤجج الوضع أكثر مما يخمده. فكان عثمان يبعث بالمعارضين وينفيهم إلى الشام، حيث معاوية، يذلهم ويربيهم على الالتزام والصمت (129).
كانت المعارضة تشتمل كما سبق أن ذكرنا، مجموعة فئات، والفئة المركزية، كانت تتألف من علي (ع) وكبار الصحابة. وحيث إن عثمان لم يستطع تطبيق عقوباته على أولئك الكبار، بمركزيتهم الدينية والعشائرية في المجتمع، فإنه لجأ إلى تفريغ جام غضبه على فقرائهم وضعافهم.
لقد عجز عثمان عن معاقبة الإمام علي (ع) لأنه يدرك إن ذلك قد يثير عليه المشاكل ويدخله في المآزق. لأن الإمام عليا (ع) لم يسكت يومها لضعف فيه أو لعجز اعتراه. وإنما حفاظا على تماسك المجتمع. أما وإنهم ليعلمون أنه أسد في عرينه. لذلك اكتفى عثمان بشكايته إلى عمه العباس - حسب البلاذري بإسناده عن ابن عباس - إن عثمان شكا عليا إلى العباس، فقال له: يا خال إن عليا قطع رحمي وألب الناس ابنك).
ومثل ذلك كان موقفه من محمد بن أبي بكر، لمكانته من أبيه وأخته وكذلك محمد ابن أبي حذيفة لمكانته من قريش، رغم ما أثاروه عليه في (مصر)، ومضايقتهم عامله فيها (عبد الله بن سعد).
إلا أن عثمان، لم يسلك نفس الطريق مع ضعاف المعارضة، الذين ليست لهم قرابة تأويهم، ولا عشيرة قوية تظللهم، وبعد أن ضاق بمعارضتهم المستمرة بدأ عثمان ينهج أسلوبه القمعي، فالظروف لم تعد تسمح له بتوقير الصحابة، فبدأ إجراءاته بابن مسعود. كان هذا الأخير واليا على الكوفة منذ عمر (130)،