وهو لم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله ولا نكت بالقضيب على ثناياه ولا حمل رأس الحسين إلى الشام. لكن أمر بمنع الحسين وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله فزاد النواب على أمره وحض الشمر والجيوش على قتله لعبيد الله بن زياد فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد فطلب منهم الحسين أن يجئ إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر مرابطا أو يعود إلى مكة فمنعوه وأمر عمر بن سعد بقتاله فقتلوه ظلما له ولطائفة من أهل بيته (28)..
وبقدر ما كنت أجل هذا الرجل المدعو ابن تيمية وأكن له احتراما عظيما طوال فترة نشأتي الإسلامية بقدر ما أصبحت أبغضه وأحط من قدره بعد تبين موقفه من يزيد الملعون..
ولقد تمادى ابن تيمية في موقفه المتحالف مع بني أمية حتى أنه خطأ الحسين وانتقده لخروجه على يزيد ملقيا عليه بتبعة مأساة كربلاء (29)..
وابن تيمية بالإضافة إلى دفاعه عن يزيد وإنكاره الروايات التي تطعن فيه وتبرئته من دم الحسين هو من جهة أخرى يمتهن الحسين ويحط من قدره ويصوره بصورة المتخاذل عديم المبدأ حين يقر الرواية التي تقول أن الحسين عرض على جيش يزيد ثلاثة عروض جميعها تدينه وتثير الشبهات من حوله..
إن منهج التأويل والتبرير هو الأساس الذي بني عليه منهاج القوم وعقائدهم ولم يكن مجرد طرح عابر في مذهبهم وإنما كان سلاحهم الذي يشهرونه في وجه خصومهم وفي وجه المسلمين الذين ينتابهم الريب في رواياتهم ومواقفهم وأحداث التأريخ بوجه عام..
وعقيدة تقوم على التبرير والتأويل عقيدة واهية مهزوزة لا بد للعقل من أن يلفظها يوما، يروي البخاري قول الإمام علي: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة (30)..
وقد قام البخاري بوضع هذا النص في كتاب المغازي وربطه بقوله تعالى:
(هذان خصمان اختصموا في ربهم) (سورة الحج: 19)، محددا أن المتخاصمين هم الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبه. مشيرا إلى أن الآية نزلت في هؤلاء الستة (31)..