كانوا يقولون لي من خلال حوارات دارت بيني وبينهم: ما نحن إلا باحثون عن الحق وقد اهتدينا إليه. وإن كان لديك ما يثبت بطلان ما نحن عليه اتبعناك..
ومثل هذا التصور إنما يعكس بصورة مباشرة فقدان هؤلاء الشباب الثقة فيما بين أيديهم من أطروحات تنطق بلسان الإسلام وتتسمى بمسمياته.
ولا تزال لهذا التيار بقايا في الوسط الإسلامي بمصر وقد انتقل منها إلى بقاع أخرى من العالم العربي والإسلامي.. (7) فكرة الحاكمية ومثلما كان تيار التكفير أحد العوامل التي دفعتني نحو التحرر من الماضي كانت أيضا فكرة الحاكمية دافعا آخر لا يقل أهمية عن سابقه. فقد شكلت الحيرة الكبيرة التي كان يعيشها تيار الجهاد في مواجهة الحكومة وتأرجحه ما بين الخروج والطاعة. استفزازا كبيرا لي دفع بي إلى البحث في مسألة الحاكمية والمواقف من الحكومات في فقه السلف وكانت النتيجة التي خرجت بها قد بررت في نظري حيرة هذا التيار وتذبذبه بين ضرورة المنابذة ورفع راية الجهاد وبين الاستسلام للواقع.
إذ وجدت الأطروحة السلفية منحازة بالكامل للقوى الحاكمة داعمة موقفها بكثير من النصوص النبوية التي تبرر هذا الانحياز وتضفي المشروعية عليه.. (8) وبالطبع فقد كشفت عملية البحث هذه الكثير من الأمور والقضايا التي زادتني يقينا بأن هناك أيد خفية عبثت بالإسلام وطوعت قواعده ومفاهيمه لأغراض سياسية..
وفكرة الحاكمية التي هي محل جدل بين التيارات الإسلامية حتى وقتنا الراهن وتتفاوت مواقف هذه التيارات منها ما بين رافض لها كالتيار السلفي وتيار الأخوان ومتبن لها كتيار الجهاد وتيار القطبيين. هذه الفكرة تعد المتسبب الأول في انتكاسة الحركة الإسلامية المعاصرة وفشلها في الانتشار والتمكن على ساحة الواقع. بل فشلها في ممارسة العمل السياسي (9).
وسر ذلك يكمن في اعتماد الحركة على فقه الماضي كمستند ومصدر وحيد لتفسير هذه الفكرة. فتيار السلفيين والأخوان اعتمد على رؤية فقهاء السلف المنحازة