ولقد ارتد كثير من الشباب عن تيار التكفير وعاد إلى أحضان التيار السلفي وازداد تمسكا وتعصبا للأطروحة السلفية بعد أن تبين له فساد خط التكفير وبطلانه بناء على نصوص نبوية قاطعة تم اكتشافها من قبل عناصر التكفير الذين أخذوا يخوضون في كتب السنة بحثا عن الأدلة التي يدعمون بها أطروحتهم (4).
إن تيار التكفير قد أسهم في دفعي نحو الاسراع في عملية التحرر من الماضي خاصة بعد ما اكتشفت أن فكر التكفير لا يخرج في محتواه ومضمونه عن فكر الخوارج الذين حاربوا الإمام عليا وانشقوا عن الخط الإسلامي السائد خاصة فرقة الأزراقة منهم (5).
وكنت قد عقدت مقارنة بين أطروحة تيار التكفير وأطروحة فرقة الأزراقة وقمت بنشرها وتوزيعها في الوسط الإسلامي وأحدثت أثرا كبيرا وكانت بمثابة مفاجأة للكثيرين الذين كانوا يتصورون أن أطروحة التكفير أطروحة اجتهادية جديدة خالية من رواسب الماضي...
وقمت أيضا بتأليف كتاب تحت عنوان: الحق. هل ينحصر في جماعة واحدة؟ ردا على ادعاء تيار التكفير أن الحق ينحصر في دائرته (6).
ورغم الهزة الشديدة التي أحدثها تيار التكفير في الواقع الإسلامي بمصر وكشفه للجانب السلبي في التراث وتشكيكه في الماضي ورجاله إلا أن ذلك لم يغير شيئا في شخصيات الذين انتموا إليه ثم ارتدوا عنه ولم يدفعهم إلى محاولة التحرر من الماضي أو فقد الثقة في أشخاص السلف بل أحدث في نفوسهم رد فعل دفعهم إلى التمسك والتشدد في أطروحة السلف وبدا وكأن هذا الموقف من قبلهم بمثابة شعور بالندم على نبذهم لخط السلف.
ومن خلال احتكاكاتي بعناصر تيار التكفير اكتشفت أن هذه العناصر ليست مجرد عناصر انتمت لتيار إسلامي حاله كحال التيارات الإسلامية الأخرى ويحمل أطروحة للنهوض بالإسلام ومواجهة الواقع. إنما كان تصور هذه العناصر أنها انتمت للحق أو للإسلام في صورته الحقيقية. فلم تكن قضية نصرة الإسلام وتمكينه تشغلهم كما تشغل التيارات الأخرى وإنما ما كان يشغلهم هو كيفية دعم ما هم عليه من حق والثبات عليه.