للحاكم المتحالفة معه. وتيار الجهاد تبنى وجهة ابن تيمية المعادية لبعض الحكام الذين ارتدوا من بين التتر الذين أسلموا وهي رؤية شاذة في الفقه السني. بينما تبنى الخط القطبي رؤية انعزالية متشددة تعتمد أساسا على اجتهادات سيد قطب.. (10) ويعد تيار الأخوان هو التيار الوحيد من بين هذه التيارات الذي دخل معترك العمل السياسي حاملا فكرة الحاكمية ودخل في تحالفات مع الحكومة والأحزاب لم تحقق له نجاحا يذكر. بينما آثرت التيارات الأخرى أن تتبنى رؤية انعزالية تجاه الواقع ووصل الأمر ببعضها إلى تكفير الذين يمارسون العمل السياسي من الإسلاميين (11).
ومثل هذا التخبط في تحديد ماهية الحاكمية بين التيارات الإسلامية المعاصرة إنما يعود إلى تخبط فقهاء السلف في تحديد ماهيتها حيث وقفوا أمام قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة: 44) موقفا تبريريا يطوع النص لغير غرضه الظاهر حيث قالوا: كفرا دون كفر ولم يجرؤ أحد منهم على توجيه هذا النص نحو حكام زمانه. وقد انتقلت هذه الرؤية إلى التيارات الإسلامية المعاصرة وتبناها تيار الأخوان والسلفيين بينما نبذها تيار الجهاد والقطبيين على أساس أن حكام اليوم غير حكام الأمس. وإذا لم يكن حكام الأمس قد تجاوزوا حدود الإسلام فإن حكام اليوم تجاوزوها ودخلوا دائرة الكفر البواح التي جعلها فقهاء الأمس شرطا أساسيا لوجوب الخروج على الحكام حسبما نص الحديث النبوي.. (12) مثل هذه المواقف التي تبناها فقهاء الأمس من الحكام والتي بنيت في مجملها على أساس مجموعة من الأحاديث المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وآله) والتي لا يستريح لها قلب المؤمن ولا عقله، أثارت الشك في نفسي وزكت نزعة الاعتقاد بأن السياسة تدخلت في صياغة الإسلام. وإذا كان الرسول من الممكن أن يقول هذا الكلام فما هو دور الإسلام إذن. وهل جاء ليقر الظلم ويمنح الحاكم سلطة استعباد الناس والاستيلاء على أموالهم.. (13) إن مواقف فقهاء الأمس السلبية من الحكام والمبررة لأفعالهم وممارساتهم المتناقضة مع الإسلام قد انعكست على واقع الحركة الإسلامية اليوم وعلى تصوراتها (10) - أنظر كتابنا الحركة الإسلامية في مصر. ولابن تيمية فتوى شهيرة تجيز مقاتلة معطلي الشرائع من الحكام وقد بناها على أساس حكام التتر الذين أسلموا وحكموا فيما بينهم كتاب " الياثق " وهو كتاب من وضع جنكيز خان ويحوي أحكاما من التوراة والإنجيل والقرآن ومن عنده. وقد اعتمد تيار الجهاد على هذه الفتوى في تبرير صدامه مع الحكومة المصرية. أنظر فتاوى ابن تيمية. وكتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج أحد الخمسة الذين أعدموا في قضية اغتيال السادات..
(11) - أنظر الحركة الإسلامية. والإسلام والعمل السياسي. وقد صدرت عدة منشورات من التيار السلفي والتيار الجهادي تهاجم الذين يمارسون العمل السياسي من الإسلاميين. منشور صدر عن التيار السلفي تحت عنوان: القول السديد من أن دخول مجلس الشعب مناف للتوحيد. وأصدر تيار الجهاد منشورا تحت عنوان: أإله مع الله. إعلان الحرب على مجلس الشعب..
(12) - ربط الحديث في إباحة الخروج على الحكام بقيد: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان. وهذا يعني استحالة الخروج وقطع السبيل على الخارجين. أنظر مسلم..
(13) - أنظر باب رحلة الشك.