وعلى أية حال، فلقد استمر معاوية وخلفاؤه الأمويون يشتمون ويلعنون أفضل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، على منابر المساجد في كل جمعة، وفي كافة أنحاء العالم الإسلامي - وفي مكة والمدينة بوجه خاص - حتى كان عهد الخليفة الراشد (عمر بن عبد العزيز) (99 - 101 ه / 717 - 720) - رضوان الله عليه - ورغم أن الرجل أموي، فقد كان على غير سنة قومه، ولم يقترف بدعتهم هذه، فترك لعن الإمام علي على المنابر، وجعل مكانه قوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان * ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (1)، وقيل قول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى * وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (2) وقيل: بل جعلهما معا، فاستعمل الناس ذلك في الخطبة إلى يوم الناس هذا.
ومن عجب أن الإمام علي إنما كان يعلم أن معاوية سيجبر الناس على سبه، فقال: (أما إنه سيظهر بعدي رجل، رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة، ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرأوا مني، فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة) (3).
ولم يكتف معاوية بذلك، وإنما طلب من عبد الله بن عباس أن لا يتحدث عن فضائل الإمام علي وآل البيت، فقال: (قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي، فكف لسانك، قال ابن عباس: أتنهانا يا معاوية عن قراءة القرآن، قال معاوية: لا، قال ابن عباس: أتنهانا عن تأويله - أي تفسيره - قال معاوية:
نعم، قال ابن عباس: أنقرأه ولا نسأل عما أراد الله بكلامه، وأيهما واجب علينا