وهو على صدر علي، حيث سكب آخر أنفاسه الشريفة في الحياة (1).
ولا ريب في أن رجلا كالإمام علي، لا بد أن نفترض أن عنده علم كثير أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحكم الأموي ما كان أبدا حريصا، على أن ينقل علم الإمام وأقضيته وأحكامه إلى الناس - كما نقل قضاء عمر، وأحكام أبي بكر مثلا - ومن ثم يسوغ لنا أن نقول إن علم الإمام علي لم ينقل كله على ألسنة رواة السنة، وإذا كان ما نقلوه عنه ليس بالقليل، فإنه ليس كله، وآراؤه في الحكم لا بد أنها كانت تحارب من الأمويين في الشام (2).
ورغم ذلك كله، فإن النور يلوح للناظر حجة قائمة، وبيانا واضحا، ينادي (علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار)، ومن ثم فقد قيل:
(ماذا أقول في رجل، كتم أعداؤه فضائله حسدا له، وكتم أحباؤه فضائله خوفا على أنفسهم، وظهر ما بين ذين وذين ما ملأ الخافقين) (3).
وقال أبو أحمد العسكري: يقال إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل غير حديث واحد، وكذلك الزهري لم يرو فيها إلا حديثا واحدا، كانا يخافان بني أمية (4)، وروى ابن سعد في طبقاته عن مالك بن دينار (ت 131 ه) قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنك لرخو اللبب، فقال له معبد الجهني: أنا أخبرك، كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي، فإذا كان القتال أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه (5).
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن مالك بن دينار قال: سألت سعيد بن جبير، قلت: يا أبا عبد الله من كان يحمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: