الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٥٦٦
الأولى تلك النواحي في جنوب الإقليم الروماني، إقليم غلاطية، أي بسيدية وليقونية وفريجية (رسل 13 / 14 - 14 / 25). واجتاز مرتين في رحلتيه الرسوليتين الثانية والثالثة غلاطية الشمالية (رسل 16 / 6 و 18 / 23). وكانت هذه الناحية التي بين قبدوقية والبحر الأسود تمتد إلى جوار أنقرة، وكان سكانها من أصل كلتي، وهم وحدهم أهل لأن يسموا غلاطيين بالمعنى الحقيقي.
في هذه الدائرة، يجب حصر الأحداث التي رواها بولس أو ذكرها في رسالته إلى أهل غلاطية.
أترى هذا الحصر ممكنا؟ إذا كان عرض بولس لهذه الأحداث، وهو الشاهد لها، يختلف عن عرض لوقا، أفنقول أن شهادة بولس أو رواية لوقا خطأ؟ إن الأقرب إلى قواعد النقد السليم أن نسائل أنفسنا هل يمكن تفسير تلك الاختلافات في الرواية لاختلاف في الهدف عند الاثنين، وهما يرويان الحدث الواحد بعينه.
بولس شاهد أمين، ولكنه لا يروي إلا ما يعود إلى الهدف الذي يسعى إليه. أما لوقا فقد عني بجمع الأخبار الأكيدة، ولكنه أراد أن يبين عمل الروح القدس في نمو الكنيسة، لا أن يكتب تاريخ الكنيسة في نشأتها. ولذلك كان له أن يدمج وثائق مختلفة الأصل والتاريخ، ويربطها بالحدث الواحد، كما يرجح أنه فعل في كلامه على مجمع أورشليم. وهذا ما يمكن المرء من أن يفهم كيف تروى أخبار المجمع في غل 2 / 1 - 10 رواية تختلف عنها في رسل 15.
غير أنه بوسعنا أن نستعمل سفر أعمال الرسل لاستكمال ما في الرسالة من أخبار تاريخية، ولنعرف الأحوال التي قامت فيها أزمة أهل غلاطية. إلى من كتب بولس؟ ومتى كتبت الرسالة؟ ما هي آراء الضلال التي عناها بكلامه؟ من هم الخصوم الذين يروجونها؟ لقد عرضت افتراضات كثيرة مستوحاة من تلميحات بولس إلى حالة يعرفها قراؤها معرفة حسنة، ولكنها غير واضحة عندنا. فقد نجم عن بعض التأويلات تفسير يشمل تاريخ نشأة المسيحية. نكتفي بالإشارة إلى أهم الافتراضات التي لها أصل في النصوص.
إلى من وجهت الرسالة؟ حاول بعضهم في القرن التاسع عشر أن يثبتوا أنها وجهت إلى كنائس في جنوب غلاطية. فيمكن القول في هذه الحال أن الرسالة قد كتبت بعد الرحلة الرسولية الأولى بوقت قليل، وأنها أول رسالة لبولس، وقد بعث بها في نحو السنة 49. ويمكن القول بتأخيرها إلى ما بعد الرحلة الرسولية المذكورة في رسل 16 / 6. ولكن معظم المفسرين المعاصرين يلزمون الموقف الذي أجمع عليه الأقدمون، وهو أن بولس كتب إلى أهل غلاطية الشمالية (وهم وحدهم يسمون بحق أهل غلاطية)، بعد ما مر بهم ثانية (غل 4 / 13)، على ما ذكر في رسل 18 / 23. لقد كتب هذه الرسالة في آخر اقامته الطويلة في أفسس (يرجح أنه أقام هناك شتاء 56 - 57)، قبل أن يكتب رسالته إلى أهل رومة بستة أشهر فقط، الأمر الذي يبين على أحسن وجه ما بين الرسالتين من الشبه.
من هم المسؤولون عن الأزمة وما هو الضلال الذي يعلمونه؟ هناك أمر يبدو واضحا، وهو أن المفسدين الذين يشهرهم بولس يريدون أن يفرضوا على الوثنيين المهتدين العمل بشريعة موسى (3 / 2 و 4 / 21 و 5 / 4)، ولا سيما الختان (2 / 3 - 4 و 5 / 2 و 6 / 12). قد يتناول كلامه أولئك المسيحيين المتهودين الذين ذكرهم سفر أعمال الرسل والذين تلخص عقيدتهم في رسل 15 / 1. ولكن أيجب علينا أن نقف عند هذا الحد؟
(٥٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة