يسعى في جميع الأحوال إلى ما هو أنسب للحياة الجديدة التي يعمل فيها الروح القدس.
وهذا المبدأ بعينه (10 / 23) يوضح المسألة هذه: مسألة لحم ما ذبح للأوثان (الفصول 8 - 10)، فإننا هنا أيضا قبالة مسألة يجب على الإيمان المسيحي أن يختار فيها بين أمرين هما: الموافقة على مظهر من مظاهر الثقافة اليونانية أو نبذه، ومبادئ الحل هي هي هنا: كل ما يخالف الإيمان ينبذ، وذلك شأن الاشتراك في المآدب الدينية عند الوثنيين (10 / 14 - 22). وأما أن يأكل المرء في بيته أو عند الآخرين لحم ما ذبح للأوثان، فهو أمر لا يؤبه له من جهة الدين المسيحي (8 / 7 - 8).
ولكن هناك أمرا يجب على تلميذ المسيح أن يراعيه، وهو أن المحبة الأخوية تنهاه عن أن يكون سبب عثار للضعفاء (18 / 9 - 13).
وأعمال البلبلة في الاجتماعات للعبادة (الفصول 11 - 14) سبب آخر لإفساد الحياة المسيحية، بتصرفات مستوحاة من التفكير الديني عند الوثنيين. فسواء أكان الموضوع الخروج على النظام في حفلة تقديس الخبز والخمر، ويبدو أنه قد تسلل إليها ما يسود مآدب العبادة عند الوثنيين من أمور مريبة، أم كان الموضوع جو الاجتماعات الطقسية، حيث تظهر أيضا بعض عناصر الحماسة التي تبلغ حد الهذيان في بعض الاجتماعات الدينية التي كان المسيحيون يترددون إليها قبل اهتدائهم، فإن هدف بولس يظل واحدا، وهو الحفاظ على الطابع الخاص بالعبادة المسيحية. وليس له أن يصير على مثال العادات الدينية السائدة عند من يجاورهم المسيحيون، بل يجب عليه أن يعكس معنى السر المحتفل به: أي وحدة الجماعة في المسيح. ولذلك فالمقاييس التي يؤخذ بها هي المنفعة المشتركة (12 / 12 - 30) وبنيان الجماعة (14 / 1 - 19) وفوق كل شئ المحبة (13 / 1 - 13).
ويعرض لنا بولس في الفصل الخامس عشر على وجه أكثر وضوحا اصطدام الرسالة المسيحية بالتفكير السائد: كانت قيامة الأموات تنسجم واليهودية، وقد اعتادت أن تنظر إلى الإنسان في وحدته، في حين أنه لم يكن يتسع لقيامة الأموات أن تتأصل في ثقافة تؤثر فيها فلسفات ثنائية. كان بولس معرضا لأن يستسلم لما يسع قراءه أن يؤمنوا به، كما فعل في مثل تلك الأحوال كاتب سفر الحكمة وفيلون، فقد تناولا بأقل قدر ممكن من الكلام هذا الموضوع الذي كان يعسر على الوثنيين تقبله، وأفاضوا خصوصا في الكلام على الحياة الخالدة للنفوس.
سلك بولس طريقا مخالفا فأكد تأكيدا شديدا قيامة الأموات، وهي الأمر الذي ينكرونه. ولم يحاول يثبت بحجج فلسفية أنها ممكنة، بل أوضح أنه، إذا كان الأموات لا يقومون، فالمسيح لم يقم أيضا (15 / 13 - 16)، فيكون إيمان أهل قورنتس باطلا (15 / 14).
وهكذا نرى من خلال هذا الموضوع، الذي له صلة بمسألة تثار اليوم بعبارات قريبة من عبارات أهل ذلك العصر، أنه قد تكون هذه الرسالة أكثر رسائل بولس صلة بمشاكل عصرنا.
أجل، إن الحلول المقترحة فيها مرتبطة أحيانا ببيئة ثقافية تختلف عن بيئتنا (11 / 2 - 1)، ولكن الحالة التي يواجهها الرسول هي حالتنا، والمبادئ التي توجه أجوبته لم تفقد شيئا من قيمتها.