العلوم منحا إلهية، واختصاصات لدنية، فلا يدع أن يدخر الله لبعض المتأخرين ما لم يطلع عليه أحد من المتقدمين. إنتهى.
ولا شك أن العلوم والفنون المتداولة كانت ناقصة في ذلك الزمان بالنسبة إلى كمالها اليوم، لاجتماع هذه التأليفات غير المحصورة، والتحقيقات غير المعدودة، التي لم تكن في عهدهم، فلا بد أن يكون علم المتأخر أوسع من علم المتقدم، ويكون الاجتهاد في هذا الزمان أيسر منه في ذلك الزمان، كما صرح به جماعة من أهل العلم، حتى ادعى بعض الأكابر من الحنفية أن ثلث علمه جميع علم الشافعي.
قال ابن الأمير رحمه الله: وإنما لم يدعوا ذلك لأن المطلوب هو الاجتهاد وقد فعلوه، لا دعواه بلسانه فلا حاجة إليه، مع أن في ادعائه اليوم فسادا عظيما، من حيث أن المتعصبين لا يذرونه ولو كان ملأ قوته، فلذلك تركه كثير ممن بلغ رتبة الاجتهاد ولم يعدوا أنفسهم من المجتهدين، بل انتسبوا إلى الأئمة، وتزيوا بزي المقلدين، ولكن من لم يرهب من أن يلقي عليه الدهر دوائره أو يجر عليه شراشره جهر به وادعاه:
فمنهم: أبو ثور. كان إماما مجتهدا مستقلا...
ومنهم: محمد بن إسماعيل البخاري. عده الرملي وغيره مجتهدا مستقلا...
ومنهم: داود الظاهري. ذكره اللقاني في شرح الجوهرة من المجتهدين المستقلين...
ومنهم: ابن المنذر الحافظ النيسابوري. كان علامة مجتهدا لا يقلد أحدا..
ومنهم: الحسن بن سعد الحافظ الكبير. كان علامة مجتهدا لا يقلد أحدا...