المحدث الكبير، والمصنف ما لم يصنفه أحد، وهو صاحب المسند في ألف وثلاثمائة جزء، بل هو صاحب الاجتهاد المطلق كما عرفت من كلام القنوجي.
وأما كونه لحانا، فليس ذلك طعنا في وثوقه واعتماده وعظمة شأنه، فإن اللحن في المحاورات كثير، بل كثيرا ما يتعمده العلماء، بل ربما استنكروا التكلم على طريقة النحو إذا كان مخالفا للشائع المتداول على لسان العامة.
قال اليافعي بترجمة الفراء: " قال قطرب: دخل الفراء على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه مرات. فقال جعفر بن يحيى البرمكي: إنه قد لحن يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد: أتلحن؟ فقال الفراء: يا أمير المؤمنين إن طبائع أهل البدو الإعراب، وطباع أهل الحضر اللحن، فإذا تحفظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع لحنت، فاستحسن الرشيد قوله.
قلت: وأيضا فإن عادة المنتهين في النحو لا يتشدقون بالمحافظة على إعراب كل كلمة عند كل أحد، بل قد يتكلمون بالكلام الملحون تعمدا على جاري عادة الناس، وإنما يبالغ في التحرز والتحفظ عن اللحن في سائر الأحوال المبتدؤون، إظهارا لمعرفتهم بالنحو، وكذلك يكثرون البحث والتكلم بما هم مترسمون به من بعض فنون العلم، ويضرب لهم في ذلك مثل فيقال: الإناء إذا كان ملآن كان عند حمله ساكنا، وإذا كان ناقصا اضطرب وتخضخض بما فيه " (1).