قلنا: ليس الأمر كذلك، فإن أئمة السلف وأكابر الخلف في هذا الفن قد وضعوه على أساس الصحة والصدق، إذ من المستحيل أن يكون ديدن أولئك الأعلام الأخيار الافتراء والكذب بنقل المفتريات والموضوعات، ولا ريب في صحة ما وصل إلينا متواترا عن طريقهم... ولو أن مفتريا نسب إليهم ما لم يقولوه فإن نقدة هذا العلم يردون عليه ويرمون كتابه بسهام الطعن والقدح ويشهرون حاله لئلا يغتر به أحد.
ثم قال:
ذكر الشرائط التي لا بد منها في تدوين هذا العلم، إذ لا يخفى أن التدوين والتأليف أمر خطير جدا، لا سيما في علم التاريخ، فإن نسخ هذا الكتاب تصل إلى الأكابر من السلاطين والأمراء والعلماء والفضلاء في مختلف الأقطار والأطراف، والمؤلف - بمقتضى: من صنف فقد استهدف - يلام على تقصيره في أقل شئ، فلا بد من الالتزام في التأليف فيه بالشروط التي سنذكرها:
منها: أن يكون المؤلف سالم العقيدة، فإن بعض المنحرفين كالغلاة من الخوارج والروافض، قد وضعوا قصصا رديئة ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وأوردوا في كتبهم أباطيل خدعوا بها عوام الناس ومن لم يكن له اطلاع على واقع حالهم، فظن أن رواياتهم من مشكاة النبوة مقتبسة ومن مصباح الرسالة ملتمسة، فوقعوا في التيه والضلالة.
ومنها: أن يكتب حقائق الوقائع والأحوال، فلو أراد الكتابة عن أحد فلا يكتفي بذكر فضائله وأعماله الحسنة، بل عليه أن يذكر ما يكون له من الرذائل والقبائح أيضا، ولو لم يتمكن من ذكر هذه بالصراحة فليذكرها بالإيماء والإشارة، والعاقل يكفيه الإشارة.