لا يحفلون المهاجري ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله ولا يحتشمون الناس، قد اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا، يهدمون الكعبة ويستعبدون الصحابة، ويعطلون الصلاة الموقوتة، ويحطمون أعناق الأحرار، ويسيرون في حرم الرسول سيرتهم في حرم الكفار، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة.
قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكد والمواثيق المغلظة، وقتل زياد بن سمية الألوف من شيعة الكوفة وشيعة البصرة صبرا، وأوسعهم حبسا وأسرا، حتى قبض الله معاوية على أسوء أعماله وختم عمره بشر أحواله، فاتبعه ابنه، يجهز على جرحاه ويقتل أبناء قتلاه، إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي ومسلم بن العقيل الهاشمي أولا، وعقب بالحر بن زياد الرياحي، وبأبي موسى عمرو بن قرطة الأنصاري، وحبيب ابن مظاهر الأسدي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، ونافع بن هلال البجلي، وحنظلة بن سعد الشامي، وعابس بن أبي شبيب الشاكري، في نيف وسبعين من جماعة شيعة الحسين عليه السلام يوم كربلا ثانيا.
ثم سلط الله عليهم الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد، يصلبهم على جذوع النخل ويقتلهم ألوان القتل، حتى اجتث الله دابرة ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك، عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك.
فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا، ويغسل عنهم وضر ما اجترحوا، فصمدوا صمود الفئة الباغية، وطلبوا دم الشهيد من ابن الزانية، لا يزيدهم قلة عددهم وانقطاع مددهم وكثرة سواد أهل الكوة بإزائهم إلا إقداما على القتل والقتال، وسخاء بالنفوس والأموال، حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، وعبد الله بن واصل التميمي، في رجال من خيار المؤمنين وعلية التابعين، ومصابيح الأنام