فهذا الذي استنكره الفسوي من حديث ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا رددنا كثيرا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد، ولا نفتح علينا في زيد بن وهب خاصة باب الاعتزال برد حديث الثابت عن ابن مسعود حديث الصادق المصدوق. وزيد سيد جليل القدر، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقبض وزيد في الطريق، وروى عن: عمر، وعثمان، وعلي، والسابقين، وحدث عنه خلق، ووثقه ابن معين وغيره، حتى أن الأعمش قال: إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذي حدثك عنه. قلت: مات سنة تسعين أو بعدها " (1).
وفي (السيرة الحلبية) في ذكر واقعة عقبة: " وكان يقال لحذيفة رضي الله عنه: صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلما توفي رسول الله كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك، أخذ بيد حذيفة رضي الله عنه فناداه إلى الصلاة عليه، فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر رضي الله عنه، وإن انتزع يدع من يده ترك الصلاة عليه " (2).
أقول: فإذا كان هذا حال عمر في الجهل بالمنافقين، كيف يعقل أن يصفه النبي صلى الله عليه وآله بأنه " أشدهم على المنافقين "! بل لو كان الأشد عليهم لكان من المناسب أن يعرفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمنافقين، لا أن يسر بأسمائهم إلى حذيفة دونه! بل لقد عرفت أنه كان يسأل حذيفة " أنه هل يعرف به من آثار النفاق شيئا؟ "! بل جاء في حديث زيد بن وهب - المتفق على الاحتجاج به - أنه قال لحذيفة: " بالله أنا من المنافقين "! فهل يعقل أن يكون " أشدهم على المنافقين " والحال هذه؟!